الإعتراض : الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻇﻞ يقول بحياة المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – في السماء عشرات السنين، فهل كان ﻣﺸﺮﻛًﺎ؟ وهل يبعث الله المشركين أنبياء؟
الردّ :
إن إيمان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني بحياة المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – في السماء في كتابه “ﺑـﺮاهين أحمدية” دليل على ﺑﺮاءته من تهمة اﻟﺘﺨﻄــﻴﻂ المبكّر ﻻدعاء أنه المسيح الموعود، فلو كان اﻷمر ﻣــﺪَبَّرا لما أعلن إيمانه بأمر، ثم تراجع عنه ﻻﺣﻘًﺎ. وهذا الذي يجب أن ﻳﺘﻨﺒﻪ إليه مَن وﻫﺒﻪ الله صفة إﺣﺴﺎن اﻟﻈﻦ.
أما ﺳـــﺒﺐُ وﺻـــﻒِ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني اﻟقاﺋﻠين بحياة المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – في السماء بالشرك وسوء اﻷدب، فهذا بعد أن أﻗﻴﻤﺖ عليهم الحجة. أما من لم ﻳﺴﻤﻊ باﻷدلة على ذلك، فلا ﺗﺜﺮﻳﺐ عليه. إن القول ﺑﺒقاء المسيح في السماء آﻻف السنين فيه سوء أدب، ﻷنه ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺗﻔﻀﻴﻼ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ عيسى ابن مريم – عليه السلام -على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وﻷنه ﻳﺘﻀﻤﻦ عدم نجاح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في إﺻﻼح أمته مما ﺣـﺘّﻢ اﻻﺳـﺘﻨﺠﺎد ﺑﻨـﱯ من أمة أخرى -والعياذ بالله-، وﻷنه ﻳﻨﺴﺐ اﻟﻌجز إلى الله تعالى باعتبارﻩ غير قادر على خلق ﻣﺜﻴـﻞ ﻟﻠﻤـﺴﻴﺢ عيسى ابن مريم – عليه السلام- من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وفيه إساءة لهذه الأمة باعتبارها عاجزة عن إنجاب ﻣﺼﻠﺢ لها مثل ﺑﻘﻴﺔ اﻷﻣﻢ. وفيه شرك، ﻷنه ﻳﻨـــﺴﺐ إلى المسيح صفات ﻻ ﻳﺘـــﺼﻒ بها غير الله؛ كاﻹحياء المادي، والخلق المادي، والجلوس على يمـين الله.
قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “بل هو ﺗُـﻮّفي كمثل إﺧﻮانه، ومات كمثل أهل زمانه. وإنّ ﻋﻘﻴﺪة حياته قد جاءتْ في المسلمين من الملّة النصرانية، وما اتخذوا عيسى إلهًا إﻻ بهذه الخصوصية، ثم أشاﻋﻬﺎ النصارى ﺑﺒﺬل اﻷموال في جميع أهل اﻟﺒـﺪْو والحـﻀﺮ، بما لم يكن أحد فيهم من أهل الفكر والنظر”. (المصدر: كتاب اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء)
وهذا ﻻ ﻳﺘﻀﻤﻦ أن اﻟقاﺋﻠين ﻗَـﺒْﻞ ذلك ﺑﺼﻌﻮد المسيح إلى السماء حيًّا ﺳﻴﺌﻮ اﻷدب وﻣـﺸﺮكون. بل هم مجتهدون مخطئون، ﻷنهم لم ﻳﺘﻨﺒﻬﻮا ﳋﻄﻮرة هذا اﻻﻋﺘقاد، ولم ﻳﺘﻔﻜﺮوا في المسألة وفيما ﺗﺘـﻀﻤﻨﻪ، بل مروا عليه كما يمرون على أي ﻣﺴﺄلة ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻳﻔﻮضون أمرها إلى الله تعالى، وﻷن هذا ما أدى إليه اﺟﺘﻬــﺎدهم، وﻷنهم لم ﻳــﺴﻤﻌﻮا بأدلة ناﻗــﻀﺔ لقولهم.. ولم ﻳُﻌﺮضوا عن الحق بعد أن جاءهم.
قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “وأما المتقدّمون من المسلمين فلم يصدر منهم هذا القول إﻻ على طريق اﻟﻌﺜﺎر واﻟﻌﺜﺮة، فهم ﻗﻮم ﻣﻌﺬورون عند الحضرة، بما كانوا خاﻃﺌين غير ﻣﺘﻌﻤّﺪﻳﻦ. وما أﺧﻄﺄوا إﻻ من وجه اﻟﻄﺒﺎﻳﻊ الساذﺟﺔ، والله يعفو عن ﻛﻞّ مجتهد يجتهد ﺑﺼﺤّﺔ اﻟﻨﻴّﺔ، ويؤدّي حق اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ من غير ﺧﻴﺎنة على قدر اﻻﺳﺘﻄﺎعة. إﻻ الذين جاءهم اﻹمام الحَكَم مع اﻟﺒﻴّنات من الهـﺪُى، وﻓـﺮّق اﻟﺮُّﺷـﺪ من اﻟﻐﻲّ وأظهر ما اﺧﺘﻔﻰ، ثم أﻋﺮضوا عن قوله وما واﻓَـﻮا دروب الحقّ بل ﻣﻨﻌـﻮا من وافي. وخاﻟﻔﻮﻩ وماﺗﻮا على ﻋناد وﻓﺴﺎد كالعدا، وفرحوا بهذه وﻧﺴﻮا ﻏﺪا”. (المصدر: كتاب اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء)
ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﻘﻞ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني بموت اﻟﻤﺴﻴﺢ منذ اﻟﺒﺪاية؟
وأﻣّــﺎ ما دﻓــﻊ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني إلى عدم القول بموت المسيح عشر ﺳــﻨين رﻏــﻢ الوﺣﻲ واﻹلهام، ﻓــﺴَﺒَﺒُﻪ تمــﺴُّﻜُﻪ ﺑﻌﻘﻴﺪته، ومحاوﻟﺘُــﻪ تأويل الإلهامات ﺑــﺸﺄن وفاة المسيح؛ فقد كان يرى أن ﺗﻔـــﺴير العلماء المتداول هو الحق، وأن أي إلهام ﻻ ﺑـﺪّ من ﻓﻬﻤـﻪ في ضوء القرآن وتفسيره المعروف. ولكن لما أمرﻩ الله تعالى بأن ﻳــﺼﺪع بحقيقة أنه هو المسيح الموعود نزوله في آخر الزمان، ما كان له أن ﻳﺘــﺄخر عن أمر الله. أما قبل اﻷمر باﻟــﺼﺪع، فهذا اﺟﺘﻬــﺎدﻩ الذي ﻏــّيرﻩ الله ﻻﺣقا. فقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “الوﺣﻲ الرباني كان واﺿﺤًﺎ، لكنني مثل غيري من البشر أﺗﻌﺮض ﻟﻠﺨﻄﺄ وﻟﻠﻨﺴﻴﺎن”
وقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني :أما اﻻﻋــتراض كيف ﻛﺘﺒــﺖ هكذا، ولماذا ﺣـﺼﻞ اﻟﺘناﻗﺾ في أﻗﻮالك، فاسمعوا وﻋُــﻮا: إن ﻣَﺜَــﻞ هذا اﻟﺘناﻗﺾ كمثل اﻟﺘناﻗﺾ الموجود في “ﺑــﺮاهين أحمدية”، حيث كتبت فيه أن المسيح اﺑــﻦ مريم سوف ينزل من السماء، ثم ﻛﺘﺒــﺖ فيما بعد أنني أنا المسيح الموعودُ ﻇﻬــﻮرُﻩ. وإنما ﺳــﺒﺐ ذلك اﻟﺘﻌﺎرض أنه، باﻟﺮﻏﻢ من أن الله تعالى قد سماني عيسى في “ﺑـﺮاهين أحمدية” كما قال لي أيضًا: إن الله ورسوله قد أﺧــبرا بمجيئك، إﻻ أن ﻃﺎﺋﻔــﺔ من المسلمين – وﻛﻨــﺖُ من بينهم – كانوا ﻳﻌﺘقدون بكل ﺷﺪة بأن عيسى سوف ينزل من السماء، لذلك لم أُرد حمل وﺣـﻲ الله سبحانه وتعالى على الظاﻫﺮ، بل ﻗﻤﺖ ﺑﺘﺄويله، وﻇﻠﻠﺖُ ﻣﺘﻤﺴﻜًﺎ ﺑﻌﻘﻴﺪة جمهور المسلمين، وﻧﺸﺮُتها في “ﺑﺮاهين أحمدية.” ولكن بعد ذلك نزل ﻋﻠﻲ وﺣﻲ الله في هذا الشأن كالمطر قاﺋﻼ: إﻧـﻚ أنت المسيح الموعودُ نزوﻟُﻪ، كما ظهرت معه مئات اﻵيات أيضًا، وقاﻣـﺖ السماء واﻷرض ﻛﻠﺘﺎهما شاهدةً على صدﻗﻲ، وإن آيات الله المـﺸﺮقة اﺿـﻄﺮﺗني إلى اﻻﻗﺘناع بأنني أنا ذلك المسيح الموعود مجيئه في الزمن اﻷخير. وإﻻ فلم تكن ﻋﻘﻴﺪتي الشخصية إﻻ ما كنت ﺳﺠّﻠﺘﻪ في “ﺑﺮاهين أحمدية.” . ثم إني لم أﻛﺘـــﻒِ بذلك، بل ﻋﺮﺿـــﺖُ هذا الوﺣﻲ على القرآن الكريم، ﻓﺜﺒـــﺖ ﺑﺂيات ﻗﻄﻌﻴـــﺔ الدﻻلة أن المسيح اﺑﻦ مريم قد ﺗُﻮفي ﻓﻌﻼً، وأن الخليفة اﻷخير ﺳﻴﺄتي باسم المسيح الموعود من هذه الأمة ﻧﻔﺴﻬﺎ. وكما أن اﻟﻈﻼم ﻳﺘﺒﺪد ﺑﻄﻠﻮع النهار، كذلك قد اﺿـﻄﺮﺗني مئات اﻵيات واﻟـﺸﻬﺎدات السماوية واﻵيات القرآنية اﻟﻘﻄﻌﻴـــﺔ الدﻻلة والنصوص الحديثيّة الصريحة ﻟﻺيمان بأني أنا المسيح الموعود. لقد كان ﻳﻜﻔﻴـني أن يرﺿـﻰ الله عني. إني لم أﻛـﻦ أتمـنى هذا المنصبقط. كنت في زاوية الخمول، ولم يكن أحد يعرﻓني، كما لم أﻛـﻦ أﺣـﺐ أن يعرﻓني أحد، ولكن الله عز وجل نفسه أخرﺟني من زاوية الخمول ﻗﺴﺮًا. لقد وددت أن أﻋﻴﺶ خاﻣﻼً وأموت خاﻣﻼً، ولكنه تعالى قال: إني ﺳﺄنشر اسمك باﻟﻌﺰة في الدنيا كلها. فاﺳﺄلوا الله تعالى لماذا ﻓﻌﻞ هكذا؟ ما ذنبي في ذلك؟ كذلك تمامًا كنت أﻋﺘقد في أول اﻷمر وأقول: أين أنا من المسيح اﺑـﻦ مريم؟ إذ إنه نبي، ومن كبار المقربين عند الله تعالى، وكلما ظهر أمر يدل على ﻓـﻀﻠﻲ، كنت أﻋﺘـبرﻩ ﻓـﻀﻼ جزﺋﻴًّـﺎ، ولكن وﺣــﻲ الله سبحانه وتعالى الذي نزل ﻋﻠــﻲ بعد ذلك كالمطر لم ﻳترﻛــني ثاﺑﺘًــﺎ على العقيدة الساﺑﻘﺔ، وأُﻋﻄﻴــﺖُ ﻟﻘـــﺐ “نبي” في صراﺣﺔ تامة، بحيث إنني نبي من ناحية، وتاﺑﻌـــﺎ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومِن أُﻣﺘـــﻪ من ناحية أخرى.
وﻣﻠﺨﺺ القول؛ ليس هناك من ﺗناﻗﺾ في كلاﻣﻲ. إنما أﺗّﺒـﻊ وﺣـﻲ الله تعالى. ﻓﻤـﺎ لم يأﺗني منه ﻋﻠﻢٌ ﻇﻠﻠﺖُ أقول ﻧﻔـﺲَ ما ﻗﻠـﺖ في أول اﻷمر، ثم ﻗﻠـﺖُ خلاﻓَـﻪ بعد أن جاءني اﻟﻌﻠـﻢ منه . إنما أنا بشر، وﻻ أدّﻋـــﻲ معرفة اﻟﻐﻴـــﺐ.” (المصدر: كتاب حقيقة الوﺣﻲ)
إرسال التعليق