الإعتراض : لقد وصف الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أبا هريرة بالغبي . وهذا يعني أنه كان يسب الصحابة.
الردّ:
كان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني يجلّ الصحابة إجلالا كبيرا ومنهم أبا هريرة أيضا. فقد ترضى عنه مرارا . ولكنه في سياق حديثه عن قول أبي هريرة بحياة المسيح في السماء بيّن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أن أبا هريرة ضعيف الدراية والفهم مقارنة بعموم الصحابة . وخصوصا كبارهم مثل أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.
أما كلمة “غبي” بالأردية فلا تعني المعنى المتبادر إلى ذهن العربي حاليا . فهي ليست سبّة بل تعني الساذج أو ضعيف التركيز والفهم وقليل الدراية . بل هذا هو معناها في العربية أيضا . وهو “قليل الفطنة”كما في ورد في معجم المنجد . والسياق يوضح ذلك ويؤكده. فقد كان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني يتحدث عن استدلال أبي بكر الصديق رضي الله عنه على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بآية: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ” ثم قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “إنه للحق أن أبا بكر – رضي الله عنه – والصحابة كلهم – وكانوا جميعا موجودين هنالك دون استثناء – فهموا من هذه الآية أن الأنبياء قد ماتوا قاطبةً. ويبدو أن صحابيا أو اثنينِ من الصحابة من قليلي الفهم الذين لم تكن درايتهم أيضا جيدة – وكانوا قد سمعوا أقوال المسيحين الساكنين في الجوار؛ كانوا يظنون إلى حد ما أن عيسى حيٌّ في السماء – مثل أبي هريرة الذي كان شخصا ساذجا بسيطا ودرايته أيضا لم تكن جيدة. ولكن أبا بكر – رضي الله عنه – الذي وهبه الله تعالى علم القرآن الكريم- حين قرأ هذه الآية؛ ثبتت على الصحابة كلهم وفاة الأنبياء جميعا وسُرُّوا كثيرا بسماع ذلك. وزال عن قلوبهم حزن وفاة نبيهم الحبيب الذي كان مستوليا على قلوبهم. فراحوا يرددون هذه الآية في أزقة المدينة. وبهذه المناسبة نظم حسان بن ثابت – رضي الله عنه – قصيدة في رثاء النبي – صلى الله عليه وسلم – على فراقه وقال فيها:
كنتَ السواد لناظري … فعمي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت … فعليك كنتُ أحاذر.” (المصدر: كتاب إعجاز أحمدي)
فهذا هو سياق العبارة وليس فيه أي شتيمة بل المقصود هو مقارنة بين فقهاء الصحابة وبسطائهم في الفهم بشأن قضية هامة كان لابد فيها من هذه المقارنة لإفحام الذين يركزون على اجتهاد أبي هريرة الخاطئ ويهملون استدلال أبي بكر الذي وافقهه مئات من الصحابة على استدلاله بهذه الآية .
ومما يدل أيضا على أن كلمة “غبي” هنا تعني الساذج والبسيط هو أن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني استخدم بدلا منها كلمة الساذج والبسيط في نفس السياق في كتب أخرى منها كتاب حقيقة الوحي وكتاب البراهين الأحمدية.
حيث قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب حقيقة الوحي :
“صعد أبو بكرٍ المنبر وقال ما مفاده: سمعت أن بعضا من أصحابنا يفكرون كذا وكذا. والحق أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد مات وهذا ليس حادثا مفاجئا لنا بل لم يسبقه نبي إلا وقد مات. ثم تلا أبو بكر – رضي الله عنه -: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. أي لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – بشرا رسولا فحسب وما كان إلها. فكما مات الأنبياء السابقون كلهم كذلك مات هو – صلى الله عليه وسلم – أيضا. فبكى الصحابة كلهم بسماع الآية وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وأثرّت الآية في قلوبهم كأنها لم تنزل إلا في ذلك اليوم. ثم نظم حسان بن ثابت في رثاء النبي – صلى الله عليه وسلم – قصيدة جاء فيها:
كنت السواد لناظري … فعمى عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت … فعليك كنت أحاذر
ففي هذا البيت (الثاني) أشار حسان بن ثابت إلى وفاة الأنبياء كلهم. وقال: لا يهمني موت موسى أو عيسى بل إن مأتمنا هو على موت هذا النبي الحبيب الذي فارقنا اليوم وغاب عن أعيننا. فيتبين من هنا أن بعض الصحابة أيضا كانوا يعتقدون خطأ أن عيسى سيعود إلى الدنيا ولكن أبا بكر – رضي الله عنه – أزال هذا الخطأ بتقديمه الآية: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فكان أول إجماع في الإسلام على أن جميع الأنبياء قد ماتوا.
فالحاصل أنه يتبين من قصيدة الرثاء المذكور أن بعض الصحابة من قليلي التدبر الذين لم تكن درايتهم جيدة -مثل أبي هريرة- كانوا يظنون -نظرا إلى نبوءة مجيء عيسى الموعود- أن عيسى – عليه السلام – سيعود بنفسه. كما كان أبو هريرة واقعا في هذا الخطأ منذ البداية. وكان يخطئ في أمور كثيرة بسبب بساطته وضعف درايته. فقد أخطأ أيضا في نبوءة دخول صحابي في النار.” (المصدر: كتاب حقيقة الوحي)
وكذلك قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب البراهين الأحمدية : ” يقول صاحب التفسير “الثَّنائي” إن فهم أبي هريرة للقرآن الكريم كان ضعيفا وناقصا. والمحدِّثون يعترضون على درايته. لقد كان أبو هريرة قديرا في نقل الرواية. ولكنه لم يُعطَ في الفهم والدراية إلا شيئا يسيرا. وأقول أنا أيضا بأنه لو استنبط أبو هريرة – رضي الله عنه – ذلك المعنى فهذا خطأه. كما أن المحدِّثين قد أثبتوا في عدة أماكن أخرى أن أبا هريرة تعثّر وأخطأ في كثير من الأمور المتعلقة بالفهم والدراية.
والمسلَّم به أيضا أن رأي صحابي واحد ليس حجة شرعية. بل الحجة الشرعية هي إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – جميعا. وقد بينّا من قبل أن جميع الصحابة قد أجمعوا على أن الأنبياء كلهم قد ماتوا.” (المصدر: كتاب البراهين الأحمدية. ج5)
هذا بالإضافة إلى أن الرأي بضعف أبي هريرة في الفهم والدراية هو رأي قديم قد قاله علماء سابقون . وقد ذكر الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أحدهم فقاله في كتاب حمامة البشرى :
“وأما ما رُوِيَ في البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – في هذا الباب. فلا تحسبه شيئا يُتوَجّه إليه. وعندنا كتاب الله فلا تطلب الهدي من غيره. فترجع بالخيبة ولن تكون من المهتدين. قال صاحب التفسير المظهري إن أبا هريرة صحابي جليل القدر. ولكنه أخطأ في هذا التأويل. ولا يوجد في حديث ما يؤيد زعمه. ولا نرى مستفادًا من الآية ما فهمه. فلا شك أنه خالفَ الحق المبين.
وما ثبت أن مأخذ قوله من مشكاة النبوة والسُنّة المطهرة. بل هو رأي سطحي. وكان – رضي الله عنه – كثير الخطأ في بعض اجتهاداته كما ثبت خطؤه في حديث ذكره البخاري في صحيحه. قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن مسيب عن أبي هريرة قال إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسّه حين يولد. فيستهلّ صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها. يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}. هذا ما زعم أبو هريرة. ولكن الذي اغترف شيئا من بحر كلام الله فيعلم بالبداهة أن هذا الزعم فاسد. ويعلم أن أبا هريرة استعجل في هذا الرأي. وما أرصد نفسه لشهادة بينات القرآن. ألم يعلم أن الله تعالى جعل نبينا أول المعصومين؟ وقد طعَن الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته. وكيف يجوز أن نخص ابن مريم وأُمَّه في العصمة من مسّ الشيطان وقد قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}. وقال: {وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}؟ (وما معنى السلام إلا الحفظ والعصمة؟ وقال: {إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (. فلا يصح هذا الحديث إلا أن نريد من ابن مريم وأُمّه معنى عاما. ونقول إن كل تقيّ ونقيّ كان في صفتهما فهو ابن مريم وأمه. وإليه أشار الزمخشري رحمه الله. ولا يُستبعد هذا التأويل. فإن الأنبياء قد يتكلمون في حُلل المجازات والاستعارات. ومثل ذلك كثير في كلام سيدنا ومولانا خاتم النبيين. ومن هذا الباب قوله – صلى الله عليه وسلم – إن عيسى ابن مريم لينزلن فيكم. يعني يُبعث رجل منكم على صفته فينزل منزلة عيسى. فما فهِم أكثر الناس معنى هذين الحديثين. واعتقدوا أن عيسى الذي كان نبيًّا من بني إسرائيل ينزل من السماء. وإنْ هذا إلا خطأ مبين.” (المصدر: كتاب حمامة البشرى).
باختصار. إن وصف صحابي أو أي إنسان جليل بأنه أقل فطنة ودراية من غيره ليس فيه أي إساءة إن كان هذا الوصف من باب الشهادة وكان ضروريا حيث تتعلق به قضية هامة.
إرسال التعليق