الإعتراض:إن نور الدين هو الذي طرح على الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني فكرة أن يعلن أنه المسيح الموعود والدليل ما ورد في مكتوبات أحمدية حيث كتب الإمام ميرزا غلام أحمد لنور الدين : “لقد تساءل حضرتكم ما المانع أن يدّعي العاجز أنه مثيل المسيح وينحي جامبا من يكون مصداقا لحديث نزول المسيح شرقي دمشق . فأي ضرر في ذلك؟ فليعلم حضرتكم أن العاجز ليس بحاجه أن يكون مثيلا للمسيح. إن همه الوحيد أن يدخله الله في عباده المتواضعين المطيعين”
الردّ:
نقول لهذا المعترض إن قصّ هذه العبارة لهو خبث واضح . لأن تكملة العبارة تبين المقصود بوضوح . لقد قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في تكملة هذه العبارة: “غير أنه لا يمكننا أن نفر من الإبتلاء بأي حال (أي لا يمكننا إلا أن نستجيب لأمر الله هذا بأني المسيح) فقد جعل الله تعالى الإبتلاء وحده سبيل الترقيات كما قال تعالى : “أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ” (العنكبزت: 2) …. هذا البحث قد ورد في كتاب “إزالة الأوهام” بإسهاب لم يرد في أي كتاب آخر . أي أن قضية دمشق ونزول المسيح قد وضحتها مسبقا في كتابي “إزالة الأوهام” بتفصيل لم أذكره في اي كتاب آخر.”
إن تاريخ هذه الرسالة هو 24 يناير 1891م وكان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني قد أعلن أنه المسيح الموعود قبل ذلك بعدة أشهر . ونشر هذه الدعوى في كتاب “فتح الإسلام” وكتاب “توضيح المرام” . وكان قد أسهب في الكلام عن حديث نزول المسيح شرقي دمشق وتأويله في كتاب “إزالة الأوهام” – الذي قد أعدّه بعد كتاب “فتح الإسلام” وكتاب “توضيح المرام” مباشرة. ولكن لم يكن قد طُبع بعد – ولم بكن المولوي نور الدين يعرف شيئا عما كتبه الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني عن حديث دمشق في كتاب “إزالة الأوهام”. إذ لم يكن مقيما في قاديان عندئد. ولم يستقر في قاديان إلا في أواحر عام 1892م . لذا فإن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني يوضح له في هذه الرسالة أنه قد تناول موضوع الحديث الدمشقي بإسهاب في كتاب “إزالة الأوهام” غير أنه لا يطمع أبدا في أي منصب كهذا . بل همه الوحيد هو أن يدخله الله في عباده المتواضعين المطيعين.
لقد قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني وهو يدحض فكرة نزول المسيح جسديا :
واعلموا يقينا أن المبدأ نفسه ينطبق على النبوءة التي قيل فيها إن ابن مريم سينزل عند منارةٍ شرقي دمشق واضعا يديه على كتفَي مَلكينِ. لأنه لو كان المراد هو تحقق النبوءة بهذا الأسلوب وبصورة ظاهرية هكذا. لما أنكرها أحد من سكان الأرض في حالة النزول بهذه الطريقة. فاسألوا جميع الأمم القاطنة على وجه المعمورة سواء أكانوا يهودا أو نصارى أو هندوسا أو بوذيين أو مجوسا أو غيرهم. أنه إذا رأوا بأم أعينهم نبيا نازلا على هذا النحو فهل سيشكّون في نبوته أو يرتابون في دينه؟ لا شك أنهم سيجيبون كلهم بأنهم لو شاهدوا شخصا مثل هذا الصالح نازلا من السماء واضعا يديه على كتفَي مَلكَين لآمنوا به دون أدنى ارتياب. بينما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
كذلك ورد في عدة آيات من القرآن الكريم أنه لم يأتِ نبيٌّ آمن به الناس كلهم أجمعون. فلو كان المسيح – عليه السلام – نازلا في الحقيقة كما يوقن المشايخ. لما وسِع أحدا إنكاره بحال من الأحوال. ولكن يجب أن يعلم المشايخ جيدا أن هذا لن يحدث أبدا. لأن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} أيْ لو أرسلنا الملائكة أيضا كأنبياء. لكان هناك مجال للشك والارتياب في أمرهم أيضا. والمعلوم أن المعجزة نفسها – أيْ معجزة النزول من السماء – طُلبت من النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا وكانت الحاجة ماسة لإظهارها. لأن عقوبة إنكار نبوته – صلى الله عليه وسلم – هي جهنم الأبدية. ولكن الله تعالى مع ذلك لم يُظهرها. وردّ على السائلين برفض باتٍّ قائلا إنه لا يُظهر معجزاتٍ بصورة مكشوفة في دار الابتلاء هذه حتى لا يقع خلل في الإيمان بالغيب. لأنه لو شاهد الناس شخصا نازلا من الله. ورأوا أيضا الملائكة نازلين من السماء. وقُضي الأمر كليًّا. لما وسع أيَّ شقي أن يُنكر هذا الأمر الواضح الجليّ. إن القرآن الكريم يزخر بالآيات التي تقول صراحة إنه ليس من سنة الله تعالى أن يُري مثل هذه المعجزات. وأن الكفار كانوا يكرّرون المطالبة بمثل هذه المعجزات. فردّ الله عليهم دائما: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} ولكن ليس من سنتنا أن نُري آية من هذا القبيل في دار الابتلاء هذه. لأن ذلك يؤدي إلى ضياع الإيمان بالغيب الذي هو مدار الأجر والثواب كله. (المصدر: كتاب إزالة الأوهام.)
إرسال التعليق