الإعتراض: قال ميرزا غلام أحمد القادياني : إن الإسلام بدأ كالهلال (يعني ﻧﻘﺼﺎن). ثم ﻗُـﺪّر له أن يكون في هذا القرن كاﻟﺒﺪر (يعني كامل). وإلى هذا أشار الله عز وجل “وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ” . أﻻ تدل هذه العبارة على أن ميرزا غلام أحمد القادياني ﻳﻨﺘﻘﺺ من الإسلام؟
الرد:
لقد ورد هذا القول في السياق التالي :
قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}، فانظرْ إلى هذه الآية كالمبصرين، فإنها تدل على البدرَيْن باليقين؛ بدرٌ مضت لنصر الأوّلين، وبدرٌ كانت آية للآخِرين. فلا شك أن في هذه الآية إشارة لطيفة إلى الزمان الآتي الذي يُشابه ليلةَ البدر عِدّةً .. أعني سنة أربعمائة بعد الألف، وهي ليلة البدر استعارةً عند رب العالمين، وإنْ كان للآية معنى آخر يتعلق بالزمان الماضي مع هذا المعنى، كما لا يخفى على العالِمين. فإنّ للآية وجهين، والنصر نصران، والبدر بدران؛ بدرٌ تتعلق بالماضي، وبدرٌ تتعلق بالاستقبال من الزمان عند ذلّة تصيب المسلمين كما ترون في هذا الأوان، وكان الإسلام بدأ كالهلال، وكان قُدّر أنه سيكون بدرًا في آخر الزمان والمآل، بإذن الله ذي الجلال، فاقتضت حكمةُ الله أن يكون الإسلام بدرًا في مائةٍ تُشابهُ البدرَ عِدّةً .. فإليه أشار في قوله {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ}، ففكّرْ فكرة كاملة ولا تكن من الغافلين. وإن لفظ {لَقَدْ نَصَرَكُم} قد أتى هنا على وجهٍ آخر .. أعني بمعنى “ينصركم”، كما لا يخفى على العارفين. فحاصل الكلام أن الله كان قد قدّر للإسلام العزّتين بعد الذلّتين على رغم اليهود الذين كان قدّر لهم الذلّتين بعد العزّتين نكالا من عنده كما تقرأون في سورة بني إسرائيل قصة الفاسقين منهم والظالمين. فلمّا أصاب المسلمين الذلّةُ الأولى في مكّة وعَدهم الله بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بَأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، وأشار في قوله: {عَلَى نَصْرِهِمْ} أنّ العذاب يصيب الكفّار بأيدي المؤمنين، فأنجز الله هذا الوعد يوم بدرٍ وقتل الكافرين بسيوف المسلمين. ثم أخبر عن الذلّة الثانية بقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} – يعني يكون لهم الغلبة والفتح لا يدانِ بهم لأحد – {وَهُمْ مِّنْ كُلِّ حَدَبٍ يَّنْسِلُونَ}، … {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ}. والمراد من {كُلِّ حَدَبٍ} ظفرُهم وفوزهم بكل مراد وعروجُهم إلى كل مقام وكونُهم فوق كل رياسة قاهرين. والمراد من قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فيِ بَعْضٍ} أن نار الخصومات تستوقد في ذلك الزمان في كل فرقة من فرق أهل الأديان، وينفقون الذهب والفضّة كالجبال لتكذيب الإسلام والإبطال وارتداد المسلمين، ويؤلّفون كتبًا مملوءة من التوهين. وقد أشار الله في كثير من المقام أن تلك الأيام أيام الغربة للإسلام، وهناك يكون المسلمون كالمحصورين، وتهبّ عليهم عواصفُ التفرقة فيكونون كعِضِين. فأمّا قوله {بَعْضهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ} فيريد منه أن فِرقة تأكل فِرقة أخرى، وتعلُو يأجوج ومأجوج وتسمعون أخبار خروجهم في الأرضين. وفي تلك الأيام لا يكون الإسلام إلا كعَجوزةٍ، ولا يبقى له من قوة ولا من عزّة، وتصيبه ذلّة على ذلّة، وكاد أن يُقبَر من غير التجهيز والتكفين، وتُصَبّ عليه مصائب ما سمعتْ أذنٌ مثلها من قبل، ويخرج من الدين أفواج من الجاهلين، لاعنين ومحقِّرين ومكذِّبين، وتُقلَب الأمور كلها، وتنزل المصائب على الشريعة وأهلها، ويُرَدّ قمرها كعُرجونٍ قديم في أعين الناظرين، وهذه ذلّة ما أصابت الملّة من قبل ولن تصيب إلى يوم الدين. فعند ذلك تنزل النصرةُ من السماء ومعالِمُ العزّة من حضرة الكبرياء، مِن غير سيف وسنان ومحاربين 1. وإليه إشارة في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فيِ الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، وهو مراد من بعث المسيح الموعود يا معشر العاقلين. وفي لفظ النزول الذي جاء في الأحاديث إيماءٌ إلى أن الأمر والنصر ينزل كله من السماء في أيام المسيح مِن غير توسُّل أيدي الإنسان ومِن غير جهاد المجاهدين، وينزل الأمر مِن الفوق مِن غير تدبير المدبّرين، كأن المسيح ينزل كالمطر من السماء واضعا يديه على أجنحة الملائكة لا على أجنحة حيلِ الدنيا والتدابير الإنسانية، وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. فكذلك يكون في هذا الزمان، فليسمعْ من يكن له أُذُنان، ويُنفَخُ في الصُّور لإشاعة النور وينادَى الطبائعُ السليمة للاهتداء، فيجتمع فِرقُ الشرق والغرب والشمال والجنوب بأمرٍ من حضرة الكبرياء، فهناك تستيقظ القلوب وتَنبت الحبوب بهذا الماء، لا بنار الحرب وسفك الدماء، ويُجذَب الناسُ بجذبة سماوية مطهّرة من شوائب الأرض لِما هو نموذج ليوم القضاء مِن مالك يوم الدين. وقد وعد الله عند الفتنة العظمى في آخر الزمان، والبليّة الكبرى قبل يوم الديّان، أنه ينصر دينه من عنده في تلك الأيام، وهناك يكون الإسلام كالبدر التام، وإليه أشار الله سبحانه في قوله {وَنُفِخَ في الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}. وقد أخبر في آية هي قبل هذه الآية مِن تفرقة عظيمة بقوله {تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ}، ثم بشَّر بقوله {وَنُفِخَ في الصُّورِ} بجمعٍ بعد التفرقة، فلا يكون هذا الجمع إلا في مائة البدر، ليدلّ الصورةُ على معناها كما كانت النصرة الأولى ببدر.
فهاتان بشارتان للمؤمنين، وتبرُقان كدُرّةٍ في الكتاب المبين. وقد مضى وقتُ فتح مبين في زمن نبيّنا المصطفى، وبقي فتحٌ آخر وهو أعظم وأكبر وأظهر من غلبة أولى، وقُدّر أن وقته وقت المسيح الموعود من الله الرءوف الودود وأرحم الراحمين” (كتاب الخطبة اﻹلهاﻣﻴﺔ)
1 قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في الحاشية : إن عيسى بن مريم ما قاتلَ وما أمر بالقتال، فكذلك المسيح الموعود فإنه على نموذجه من الله ذي الجلال. والسرّ فيه أن الله أراد أن يرسل خاتمَ خلفاء بني إسرائيل وخاتمَ خلفاء الإسلام مِن غير السنان والحُسام، ليزيل شبهاتٍ نشَأتْ من قبلُ في طبائع العوام، وليعلم الناسُ أن إشاعة الدين بأمر مِن الله لا بضرب الأعناق وقتل الأقوام. ثم لما كان اليهودُ في وقت عيسى والمسلمون في وقت المسيح الموعود قد خرج أكثرُهم من التقوى وعصوا أحكام الرب الودود، فكان بعيدًا من الحكمة الإلهية أن يقتل الكافرين لهذه الفاسقين. فتدبَّرْ حق التدبّر ولا تكنْ من الغافلين. (كتاب الخطبة اﻹلهاﻣﻴﺔ)
هذا هو السياق التي وردت فيه العيارة المعترض عليها وليس فيه أي انتقاص للإسلام. بل مفهوم الكلام هو أن الإسلام سيسود في الزمن الأخير ليتحقق وعد الله لخاتم النبيين : “هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ” (التوبة : 33).
إن مثل هذا الاعتراض هو من تدليسات أعداء الإمام ميرزا غلام أحمد عليه السلام الذي شهد له من عاصروه بجهده في الدفاع عن الاسلام..
يرجى زيارة الرابط التالي لقراءة ما قيل عن جهد الإمام ميرزا غلام أحمد القاديان يفي الدفاع عن الإسلام : قالوا عن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني – موقع ميرزا غلام أحمد القادياني
إرسال التعليق