الإعتراض : كان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني قد وعد بأن يؤلف خمسين مجلدا من البراهين الأحمدية. ولكنه لم يؤلف سوى خمسة، وحين سئل عن ذلك قال: ﻻ فرق بين الخمسين (50) والخمسة (5) إﻻ في النقطة.

الردّ:

الحق أن الناس لم يسألوه عن بقية الأجزاء ولم يقولوا له لماذا هي خمسة لا خمسين. بل إنه ذكر هذه العبارة في سياق أن الخمسة حققت في مضمونها ما كانت ستحققه الخمسون.
لو كانت المسألة بالعدد لما صعب على حضرته أن يأتي بهذا العدد. فليس هنالك ما يمنع حضرته من تسمية مختلف كتبه “البراهين الأحمدية”. ولو فعل ذلك لصار كتاب البراهين الأحمدية مائة جزء لا خمسين لكن القضية ليست في العدد ولا في التسمية.
صحيح أنه كان قد ذكر أنه سيكتب خمسين جزءا من البراهين الأحمدية. ولكنه بعد أن انهى كتابة المجلد الرابع من البراهين الأحمدية. رأى أن مشيئة الله الإلهية تريد توجيهه وجهة أخرى.

كتب الإمام ميرزا غلام أحمدالقادياني على غلاف الجزء الرابع :

“عندما أُلِّف هذا الكتاب بداية كان وضعه مختلفا، ثم أطلعني، أنا أحقر العباد، التجلّي المباغتُ لقدرة الله – عز وجل – مثل موسى تماما- على عالَمٍ ما كنت مطّلعا عليه من قبل. أي كنتُ أتجول أنا العبد المتواضع أيضا مثل ابن عمران في ليلة مظلمة لأفكاري، إذ سمعت دفعة واحدة صوتا من الغيب: “إني أنا ربك”، وكُشفت الأسرار التي لم تكن في متناول العقل والتصور. فالآن إن وليّ هذا الكتاب وكفيله ظاهرا وباطنا هو الله ربّ العالمين، ولا أدري إلى أيّ مدى وقدرٍ يريد – سبحانه وتعالى – إيصاله. والحق أن أنوار صدق الإسلام التي كشفها عليّ – سبحانه وتعالى – إلى الجزء الرابع من الكتاب، تكفي لإتمام الحجة. وآمل من فضل الله تعالى ورحمته أن يظل يؤيدني بتأييداته الغيبية ما لم يُزِل ظلمة الشكوك والشبهات كليا. مع أنني لا أعرف كم يمكن أن تطول حياتي، ولكنني جدّ سعيد على أن الله الحيّ القيوم والمنزَّه عن الفناء والموت قائم على نصرة الإسلام دائما وإلى يوم القيامة. وإن فضله على سيدنا خاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – عظيم بحيث لم يسبق له نظير على نبي من الأنبياء من قبل.” (المصدر: غلاف الجزء الرابع من كتاب البراهين الأحمدية على حقيَّية كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية)

ثم بعد 23 عامًا شرح أسباب التأخير في نشر بقية كتاب البراهين الأحمدية فكتب الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في مقدمة الجزء الخامس من كتاب البراهين الأحمدية ما يلي :

“لقد اتفق بحكمة الله وقدره أن ظلّت طباعة هذا الكتاب مؤجَّلة إلى 23 عاما تقريبا بعد طباعة أربعة أجزاء منه. والأغرب من ذلك أنني ألّفت في هذه المدة قرابة ثمانين كتابا بعضها كبير الحجم، ومع ذلك ما مال قلبي إلى إكمال هذا الكتاب. لقد ثار الألم في القلب مرارا على مضي فترة طويلة على تأجيل “البراهين الأحمدية”. لقد سعيت في هذه الفترة سعيا حثيثا، وألح المشترون أيضا على طلبهم الكتاب إلحاحا شديدا. ووجّه إلي المعاندون في أثناء مدة التأجيل اعتراضات تجاوزت الحدود من حيث تلوّثها بسوء الظن وبذاءة اللسان- والحق أن نشوءها في القلوب بسبب امتداد المدة كان ممكنا- ومع ذلك لم توفِّقني حكمة القضاء والقدر لإكمال هذا الكتاب. يتبين من هنا أنه ليس بوسع الإنسان أن يخرج من حدود القضاء والقدر. إنني متأسف بل الحق أن قلبي يتألم بشدة حين أتصور أن كثيرا من الذين اشتروا هذا الكتاب قد رحلوا من هذه الدنيا قبل اكتماله. ولكن كما قلتُ إن الإنسان خاضع لقدر الله تعالى. وإن لم توافق إرادة الله إرادة الإنسان لما استطاع الإنسان تحقيقها مهما حاول وسعى. ولكن حين يأتي موعد تحقق إرادة الله تتيسر بكل سهولة الأمور التي كانت تبدو متعذرة من قبل.

هنا ينشأ السؤال بطبيعة الحال أنه ما دامت أفعال الله لا تخلو من الحكمة فأيّ حكمة كانت في تأجيل اكتمال هذا الكتاب- الذي كان بحد ذاته خدمة عظيمة للدين وكان يهدف إلى ردّ جميع معارضي الإسلام- إلى ما يقارب 23 عاما؟
الله أعلم بجواب هذا السؤال. ولا يسع أحدا أن يحيط بجميع أسراره – عز وجل -. غير أن رأيي الشخصي هو أن أجزاء البراهين الأحمدية الأربعة الأولى التي نُشرت من قبل كانت تحتوي على أمور بحيث لو لم تتحقق تلك الأمور لبقيت الأدلة الواردة فيها في طيّ الكتمان والخفاء. فكان ضروريا أن يُرجأ تأليف البراهين الأحمدية ما لم تنكشف الأسرار الكامنة فيها بمرور الزمان وتتحقق الأدلة المذكورة في تلك الأجزاء. لأن كلام الله- أي إلهامه الكامن- في تلك الأجزاء هنا وهناك الذي نزل على هذا العبد الضعيف كان بحاجة إلى الشرح. وكان بحاجة أيضا إلى أن يتبين للناس صدق النبوءات المذكورة فيها. لذا فقد أرجأ الله الحكيم العليم طباعة البراهين الأحمدية إلى أن تحققت تلك النبوءات كلها. وليكن معلوما أنه لا بد من وجود نوعين من الانتصار لإثبات صدق أيّ دين أي كونه من الله.
أولا: أن يكون ذلك الدين- من حيث معتقداته وتعليمه وأحكامه- جامعا وهو الأكمل والأتم وبعيدي من النقص بما لا يسع العقل أن يتصور أكثر منه أو يثبت أيّ نوع من العيب أو النقيصة فيه. وأن يكون منتصرا على كل دين من حيث هذا الكمال. بمعنى ألا يساويه دينٌ من الأديان في هذه الميزات، كما أعلن القرآن الكريم بنفسه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} . أيْ يجب أن تتمسكوا بالحقيقة التي تتضمنها كلمة “الإسلام” والتي فسّرها الله تعالى بنفسه عن كلمة “الإسلام”. فمن هذه الآية يتبين بصراحة أن القرآن الكريم وحده الذي أعطى تعليما كاملا. وأن عصرَ القرآن كان جديرا بأن يعطَى فيه تعليمٌ كامل. فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن كان من حقه هو فقط. ولم يعلن أي كتاب سماوي آخر بمثل هذا الإعلان. وكما هو واضح على القراء أن كلّا من التوراة والإنجيل قد انسحب من هذا الإعلان. لأنه قد ورد في التوراة قول الله تعالى: أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ.
فمن الواضح أنه لو كان تعليم التوراة كافيا نظرا إلى حاجات الأزمنة المقبلة لما كان هناك حاجة لبعثة أيّ نبي آخر. بل لاقتصر الخلاص من مؤاخذة الله على متابعة الكلام النازل عليه. كذلك لم يدّع الإنجيل أيضا قط أن تعليمه كامل وجامع بل أقرّ بكل وضوح: أنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحتملُوا الآنَ * وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، الفارقليط (روح الحق) فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ.
لا بد من الانتباه هنا أن موسى عليه السلام وجّه إلى تعليم النبي المقبل معترفا بنقص كتابه التوراة. كذلك اعترف عيسى عليه السلام أيضا بالنقص في تعليمه متعذرا أنه لم يحن الموعد لإعطاء التعليم الكامل. ولكن حين سيأتي “الفارقليط” سيبين تعليما كاملا. ولكن القرآن الكريم ما وجّه إلى غيره مثل التوراة والإنجيل بل أعلن للعالم كمال تعليمه فقال: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}. من هنا يتبين أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي أعلن كمال تعليمه. وسأبيّن في حينه أن القرآن الكريم كما قام بالإعلان، كذلك أثبت صدق إعلانه أيضا، وقدم تعليما كاملا لم تستطع التوراة ولا الإنجيل تقديمه. إذًا فإنه لدليل قوي لإثبات صدق الإسلام بأنه منتصر على كل دين من حيث التعليم. وليس لدين أن يبارزه من حيث كمال التعليم.
ثانيا: أما النوع الثاني من الانتصار الذي يحظى به الإسلام ولا يشاركه فيه أيّ دين آخر. والذي يختم على صدقه بالكامل فهو بركاته ومعجزاته الحيّة التي حُرمت منها الأديان الأخرى كليا. فهي كلها آيات كاملة لم ينتصر بها الإسلام على الأديان الأخرى فحسب بل يجذب القلوب إليه بإراءة ضوئه الكامل.
ليكن معلوما أن الدليل الأول على صدق الإسلام الذي كتبته قبل قليل. أيْ تعليمه الكامل ليس دليلا بيِّنا لدرجة أنْ يُفهم منه بوضوح أن الإسلام من الله تعالى في الحقيقة. إذ قد يقول منكر عنيد لا يملك نظرة دقيقة بأنه من الممكن أن يكون التعليم كاملا ومع ذلك قد لا يكون من الله. فمع أن هذا الدليل يخلّص فطينا باحثا عن الحق من شبهات كثيرة ويقرّبه إلى اليقين. ولكن لا يوصله إلى منارة اليقين الكامل ما لم ينضمّ إليه الدليل الثاني المذكور آنفا. فباجتماع هذين الدليلين يبلغ نور الدين الصادق كماله. ومع أن الدين الصادق يضم في طياته آلاف العلامات والأنوار. ولكن هذان الدليلان وحدهما يرويان قلب طالبِ حقٍ بماء اليقين دون الحاجة إلى أيّ دليل آخر . ويتمّمان الحجة على المكذبين بالتمام والكمال. لذا لا حاجة لأيّ دليل آخر في حال وجود هذين النوعين من الأدلة. كنت أنوي أن أكتب 300 دليل في “البراهين الأحمدية” لإثبات حقّية الإسلام ولكن حين تأملت في الموضوع توصّلت إلى نتيجة أن هذين النوعين من الأدلة يقومان مقام آلاف الأدلة في الحقيقة. فصرف الله قلبي عن تلك الإرادة وشرَحَه لتحرير الأدلة المذكورة آنفا.
ولو استعجلت في إكمال كتاب “البراهين الأحمدية” لما أمكنني أن أكشف للناس صدق الإسلام بهذه الطريقة. لأن الأجزاء السابقة للبراهين تضم نبوءات كثيرة تمثّل أدلة قوية على صدق الإسلام ولكن ما كان الوقت قد حان بعد لتستبين على العالم بجلاء تام تلك الآيات الإلهية الموعودة. لكل عاقل أن يُدرك بسهولة أن كتابة المعجزات والآيات ليس بوسع الإنسان. والحق أن الوسيلة الكبرى لمعرفة الدين الصادق هي أن توجد فيه البركات والمعجزات. لأنه كما قلت من قبل بأن كمال التعليم وحده ليس علامة كاملة وواضحة على صدق الدين ليوصل إلى أعلى درجات الاطمئنان. فسأنهي كتابي هذا بتحرير تلك الأدلة من كلا النوعين فيه بإذن الله. مع أنه قد وُعد في الأجزاء السابقة من البراهين الأحمدية بظهور الآيات ولكن ما كان بوسعي أن أُظهر آية بقوتي أنا. كذلك تضمنت الأجزاء السابقة أمورا أخرى كثيرة كان شرحها يفوق طاقتي. ولكن عندما حان موعدها بعد 23 عاما يسّر الله تعالى جميع الأمور وكُشفت علي معارف القرآن الكريم وحقائقه بحسب ما ورد في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة. كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآن} كذلك أُظهِرت آيات عظيمة. الذين يبحثون عن الله تعالى بصدق القلب يعرفون جيدا أن معرفة الله تعالى إنما تتأتّى بواسطته هو فقط. ولا يمكن الفوز بمعرفة إلا به – عز وجل – . وهو وحده القادر على أن يتم حجته. وليس ذلك بوسع الإنسان ولا يمكنه أن يتخلص من الذنوب وينال قربه بأية وسيلة ما لم تتسنّ له المعرفة الكاملة. فلا تنفع في هذا المقام كفارة وليس هناك من سبيل يمكن أن يخلّص من الذنوب إلا المعرفة الكاملة التي تخلق حبًّا كاملا وخوفا كاملا. إن الحب الكامل والخوف الكامل هما الشيئان اللذان يخلّصان من الذنوب. لأنه عندما تضطرم نار الحب والخوف تحرق حُطام كلأ الذنوب وتحوّله رمادا. ولا يمكن مطلقا أن تجتمع هذه النار الطاهرة ونار قذارة الذنوب معا.
باختصار، لا يمكن للإنسان أن يرتدع عن السيئات ولا يستطيع أن يتقدم في الحب ما لم يحظَ بالمعرفة الكاملة. والمعرفة الكاملة لا تُنال ما لم يُعطَ الإنسان بركات ومعجزات حية من الله تعالى. هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الدين الصادق التي تُفحم المعارضين جميعا. والدين الذي يضم في طياته أدلةً من النوعين المذكورين. أي الدين الذي تعليمه كامل من كل جهة ولا نقص فيه. والله يشهد على صدقه بالآيات والمعجزات. فلا يهجر هذا الدينَ إلا الذي لا يبالي بالله أدنى مبالاة. ويقدّم على الآخرة الحياةَ المؤقتة وعلاقاته القومية الزائفة. لا يحصل الإيمان بذلك الإله الذي هو قادر اليوم أيضا كما كان قبل عشرة آلاف سنة إلا إذا علم الإنسان بركاته ومعجزاته وأعمال قدرته المتجددة. وإلا لا بد من القول بأنه لم يعُد ذلك الإله الذي كان من قبل. أو لم تعد فيه تلك القدرات التي كانت من قبل. لذا لا حقيقة لإيمان المحرومين من مشاهدة بركات الله ومعجزاته المتجددة. والذين يزعمون أن قدرات الله قد مضى أوانُها ولم تعد موجودة في العصر الراهن.

وأخيرا فليكن معلوما أيضا أن التأجيل إلى 23 عاما في طباعة الجزء المتبقي من البراهين الأحمدية لم يكن عبثا دون هدف ومعنى. بل كان في ذلك حكمة ألا يُطبع جزؤه الخامس ما لم تظهر في الدنيا كافة الأمور التي أُنبئ عنها في أجزائه السابقة لأنها مليئة بنبوءات عظيمة. فكان الهدف الأعظم من الجزء الخامس أن تتحقق الأنباء الموعودة كلها. وإنها لآية عظيمة من الله أنه أبقاني حيا بفضله المحض إلى هذا الوقت حتى ظهرت تلك الآيات كلها. وبذلك قد حان أوان تأليف الجزء الخامس. وكذلك كان ضروريا أن تُذكَر- شكرا لله تعالى- النصرة الإلهية التي حالفتني في تأليف الجزء الخامس. فلإظهار هذا الأمر سميتُ الجزء الخامس من البراهين الأحمدية “نصرة الحق” أيضا وذلك عند تأليفه- الذي يجب أن يُعَدّ ولادة جديدة للكتاب- . ليكون هذا الاسم آية أبدية على أن نصرة الله وعونه فقط قد وهبته خلعة الوجود. على الرغم من مئات العوائق والموانع. لذا فقد كتبتُ “نصرة الحق” على رأس كل صفحة من بضع صفحاته الأولى. ثم كتبتُ على الصفحات التالية “البراهين الأحمدية، الجزء الخامس” تذكيرا بأنه الكتاب نفسه الذي طُبعت أربعة أجزاء منه من قبل. كنت أنوي بدايةً تأليف خمسين جزءا، ثم اكتفيت بخمسة بدلا من خمسين. ولأن الفرق بين العدد خمسين وخمسة هو نقطة واحدة لذا فقد تحقق ذلك الوعد بخمسة أجزاء. والسبب الثاني للإرجاء وعدم تأليف الجزء الخامس إلى 23 عاما هو أنه كان في مشيئة الله أن يُظهر ما تكنُّ قلوبهم المصابة بمرض سوء الظن من أفكار. وهكذا كان. فقد ازداد أصحاب الطبائع الناقصة في سوء الظن بسبب التأخير حتى كال لي الشتائم بعض من ذوي الطبائع الخبيثة. الأجزاء الأربعة التي طُبعت من قبل بيعت بعضها بأسعار متفاوتة، ووُزّعت بعضها مجانا. فمعظم الذين كانوا قد دفعوا ثمنها كالوا لي شتائم واستعادوا نقودهم أيضا. لو لم يستعجلوا في ذلك لكان خيرا لهم. ولكن هذا التأخير أدّى إلى امتحان طبائعهم.
ومن أسباب التأخير أيضا أن يُظهر الله تعالى على عباده أن هذا المشروع مبني على مرضاته . وأن جميع الإلهامات التي سُجلت في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة هي منه – سبحانه وتعالى – وليس من الإنسان، لأنه لو لم يكن الكتاب وفق مرضاة الله، ولو لم تكن الإلهامات كلها من الله لكان مما يخالف سنة الله العدل القدوس أن يمهِّل إلى 23 عاما شخصا هو في نظره – عز وجل – مفترٍ ومرتكب إثمٍ بأن اختلق من عنده أقوالا وسمّاها وحي الله وإلهامه. وأن يوفّقه مع ذلك ليكمّل الجزء المتبقي من كتابه البراهين الأحمدية إلى ما شاء الله. وليس ذلك فحسب بل يحسن الله إليه أكثر وينجز من عنده من أجل تكميل الكتاب أمورا كانت تفوق قدرة الإنسان. والمعلوم أن الله تعالى لا يعامل بهذا اللطف والإحسان مَن يعلمُ أنه مفتر. فبسبب هذا التأخير والتأجيل تجلّت آية أخرى أيضا أن تحققت لي نصرة الله وتأييده. وفي أثناء هذه المدة الطويلة قد ارتحل من هذه الدنيا كثير من الذين كفّروني وكذّبوني وسمّوني دجالا وخارجا عن دائرة الإسلام ودعوا على الكاذب مباهلين. ولكن الله تعالى أبقاني حيا ونصرني، وقلّما مضى في العالم صادقون تلقوا هذا النوع من التأييد دع عنك الكاذبين. فإنها آية الله البيّنة ولكن للذين لا يغمضون أعينهم بل هم جاهزون لقبول آياته – سبحانه وتعالى -.”

هذا هو السياق الذي وردت فيه الجملة المعترض عليها . فالإمام ميرزا غلام أحمد القادياني لا يقول بأن الخمسين تساوي الخمسة . بل يقول بأن الأجزاء الخمسة للكتاب قد سدَّت مسد الخمسين التي وعد بها. لأن الأدلة الموجوده فيها والتي ثبت تحققها قد سدّت مسد الثلاثمائة دليل التي وعد بنشرها. وهكذا فإن وعده قد تحقق بمضمونه . ولعل حضرته يشير إلى قدر الله الذي جعل خمسة أجزاء تحقق ما يحققه خمسون جزء. مثل أن الصلاة حين فرضت في معراج النبي كانت خمسين ثم صارت خمسة وبقي أجر خمسين صلاة والله يفعل ما يشاء.

Previous post

الإعتراض:لماذا يتوسل الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني بالنبي خاتم النبيين و ليس بالله تعالى؟ لماذا ﻻ يتوسل إلى الله مباشرة؟ هل يجعل واسطة بينه وبين الله؟

Next post

الإعتراض : قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني عن عبارة “وجادلهم بالحكمة والموعظة الحسنة” أنها نص قرآني، لكن هذه ليست آية قرآنية . أليس هذا افتراء على القرآن أو تحريف له؟

إرسال التعليق