الإعتراض : لماذا قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أنه جمع في نفسه كل شأن النبيين؟ وما هو المقصود من هذه العبارة؟
الرد:
نورد فيما يلي سياق تلك العبارة ليتبين المقصود منها:
بعد أن عدد الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ثلاثة أسباب لتسمية الله له بالمسيح قال: “فهذه ثلاثة أوجه لتسمية المسيح الذي هو خاتم الخلفاء، ففكّرْ فيه إن كنت من أهل الدهاء. وإنه مستفيض من نبيّه الذي ملَك هذه الصفات الثلاث بالاستيفاء، فاتركْ ذكر عيسى وآمنْ بظِلِّ خيرِ الرسل وخاتم الأنبياء.” (المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)
يتبين من كلام الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في العبارة السابقة أنه يؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ملك تلك الصفات بشكل وافي وتام . أما الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني فقد قال عن نفسه أنه ظل خاتم النبيين أي تابع وخادم للرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم تابع الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني كلامه في الفقرة السابقة فقال :
“وكان من أهم الأمور عند الله أن يجعل آخر الأزمنة زمانَ البعث .. أعني زمان تجديد سلسلة الإحياء، وإنه الحقّ فلا تجادل كالجهلاء. وكذلك كان من أعظم مقاصد الله أن يُهلك الشيطان كل الإهلاك، ويردّ الكَرّةَ لآدم ويملأ الأرض قسطا وعدلا ومن أنواع البركات والآلاء، ويكشف الحقائق كلها ويُشيع الأمر والمأمور في جميع الأنحاء، ويُظهر في الأرض جلاله وجماله ولا يغادر في هذا الباب شيئا من الأشياء. فأقام عبدًا من عنده لهذا الغرض ولتجديد الشريعة الغرّاء، وجعله من حيث الآباء من أبناء فارس، ومن حيث الأمهات من بني فاطمة، ليجمع فيه الجلال والجمال، ويجعل فيه نصيبا من أحسن سجايا الرجال، ونصيبا من أجمل شمائل النساء، فإن في بني فارس شجعانا يردّون الإيمان من السماء، ولذلك سمّاني الله آدمَ والمسيحَ الذي أرى خلق مريمَ، وأحمدَ الذي في الفضل تقدّمَ، ليُظهر أنه جمَع في نفسي كل شأن النبيين على سبيل الموهبة والعطاء، فهذا هو الحق الذي فيه يختلفون. لا يعود إلى الدنيا آدم، ولا نبينا الأكرم، ولا عيسى المتوفى المتّهم. سبحان الله وتعالى عما يفترون!” (المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)
هذا هو سياق العبارة التي قال فيها الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أن (الله جمع في نفسه كل شأن النبيين) ويتبين من السياق أن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني لم يفضل نفسه على خاتم النبيين. بل كان يتحدث أنه هو المقصود بنزول المسيح وعودة آدم والبعثة الثانية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أخبر الله عنها في قوله تعالى : “هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ* وَءَاخَرِینَ مِنۡهُمۡ لَمَّا یَلۡحَقُوا۟ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ” (الجمعة : 2 – 3).
لماذا قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أنه جمع في نفسه كل شأن النبيين؟
إذا اطلعنا على كتب الأديان المختلفة . لوجدنا أن الكثير من الأنبياء والرسل والأولياء الذين بعثوا في العصور الماضية إلى شعوب مختلفة وأمم متنوعة وأقوام متباينه. قد أخبروا أنهم سوف يرجعون إلى أممهم وأقوامهم مرة ثانية في آخر الزمان قبيل يوم القيامة. وذلك حتى ينشروا في الأرض الدين الصحيح. ويحققوا ملكوت الله في هذه الدنيا. ويهدوا أقوامهم إلى طريق الله.
وتوجد الكثير من النبوءات في مختلف الأدبان عن عودة أولئك الأنبياء في ظروف تتشابه فيها أحوال الدنيا. وتشير كلها إلى آخر الزمان عند فساد الناس وانحرافهم عن صراط الله المستقيم. وخروجهم عن تعاليم أنبياءهم ورسلهم. فيعود أولئك الأنبياء والرسل لكي يهدوا أقوامهم مرة أخرى إلى طريق الله. ويدينوا الأشرار ويقضوا عليهم. حتى ينتصر الحق ويعلو في جميع أنحاء الأرض.
وعلى سبيل المثال : نجد في الديانة الهندوسية نبوءات عن عودة “كرشنا” في آخر الزمان. وكذلك في الديانة البوذية نجد أيضا نبوءات عن عودة “بوذا” قبل يوم القيامة. وفي الديانة الزرادشتية هناك كذلك نبوءات عن عودة “مسيّو” قبل انتهاء العالم. وكذلك في الديانه اليهودية والمسيحية والإسلام نجد ايضا نفس الظاهرة . فهناك نبوءات في التوراة عن عودة إيليا النبي. وهناك نبوءات في الانجيل عن عودة المسيح. وفي الإسلام نجد أيضا نبوءات عن نزول المسيح . ويؤمن الكثير من الشيعة بعودة الإمام المهدي “محمد بن الحسن العسكري” الذي يقولون أنه اختفى منذ مئات السنين.
كذلك هناك ما يشير في القرآن الكريم إلى عودة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ذكر الله تعالى أنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم له بعثتين . بعثة في الأولين وبعثة في الآخرين . فقد قال تعالى :”هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ* وَءَاخَرِینَ مِنۡهُمۡ لَمَّا یَلۡحَقُوا۟ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ” (الجمعة:2-3).
فهذﻩ اﻵية تشير إلى أن الله تعالى قد قضى أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأميين. وأن يبعثه أيضا في “ءَاخَرِینَ مِنۡهُمۡ لَمَّا یَلۡحَقُوا۟ بِهِمۡ”. ويشير الحرف “لَمَّا” بدل “لم” إلى انقضاء فترة زمنية بين البعثتين.
ولما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى لله عليه وسلم تساءل الصحابة من هم هؤلاء الذين يبعث الله فيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بعثة ثانية فيبلغون منزلة صحابة النبي صلى لله عليه وسلم رغم أنهم ليسوا من زمنه بل هناك فترة زمنية بين زمانهم وزمان النبي. فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأُنْزِلَتْ عليه سُورَةُ الجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] ، قالَ: قُلتُ: مَن هُمْ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وفينَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وضَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَهُ علَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قالَ: لو كانَ الإيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ -أوْ رَجُلٌ- مِن هَؤُلَاءِ.” (متفق عليه واللفظ للبخاري).
إن هذا الحديث يعني أنه حين يكون الإيمان مفقود في القلوب وكأنه ابتعد من الأرض حتى صعد إلى مجموعة نجوم الثريا فإن رجل من قوم سلمان الفارسي سوف يعيد الإيمان مرة أخرى إلى قلوب الناس.
فإذا وضعنا في الاعتبار النبوءات المذكورة في الأديان الأخرى جميعها. وحملنا تلك النبوءات على حرفيتها. لاصطدمنا بمشكلة عويصة. فكل النبوءات تشير إلى عودة هذا الجمع الكبير من الأنبياء في نفس الوقت وعند نفس العلامات وفي نفس الظروف. وكلها كما أسلفنا القول تشير إلى آخر الزمان قبيل يوم القيامة. ومن غير المعقول طبعا أن بعود كرشنا ليدعو الناس إلى دينه. ويعود في نفس الوقت بوذا ليدعو الناس إلى دينه. بينما يعود زرادشت ليدعو الناس إلى دينه. وينزل إليا من السماء ويدعو الناس إلى دينه. وينزل أيضا المسيح ويدعو الناس إلى دينه. ويأتي ذلك الرجل من قوم سلمان الفارسي ليعود بالإيمان إلى قلوب الناس.
وحيث أن الله قد قضى في قوله تعالى :
• “إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُ” (آل عمران:19)
• “وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ” (آل ﻋﻤﺮان: 85)
فهذا يعني أنه يجب على أتباع الأديان كلها أن يدخلوا في دين الإسلام. حيث أنه هو الدين الكامل الذي ارتضاه الله تعالى لعباده إلى يوم القيامة. وبالتالي فليس هناك ما يدعو إلى عودة كل هؤلاء الأنبياء السابقين لكي يدعوا أقوامهم إلى أديانهم التي نسخها الإسلام. وعلى ذلك يكون معنى كل تلك النبوءات التي جاءت في مختلف الأديان عن عودة هؤلاء الأنبياء الكرام هو ظهور مبعوث واحد من عند الله تعالى يكون على دين الإسلام ومن أتباع رسوله الكريم. يدعو الناس جميعا إلى صراط الله المستقيم وسنة رسوله الكريم خاتم النبيين. وهذا المبعوث يجمع في نفسه شأن كل أولئك النبيين المنتظر عودتهم إلى الدنيا مرة أخرى في آخر الزمان. أي أنه يشابه أولئك النبيين ويرتبط بهم بصلة ما.
فهذا هو المقصود من العبارة التي ذكرها الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني حين قال بأنه جمع في نفسه كل شأن النبيين. فقد بعثه الله تعالى في “الهند” التي بعث فيها بوذا. والقوم الذين كان يعيش بينهم في الهند هم الهندوس. أتباع كرشنا. كذلك فإنه يرتبط بالزرادشتيين الذين هم من أصل فارسي. ﻷنه هو أيضا من أصل فارسي كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه البخاري. وحيث إنه من نسل سيدنا إبراهيم فله ارتباط كذلك باليهود. وﻷنه كان يعيش تحت حكومة مسيحية فله كذلك ارتباط مع أتباع المسيح. وحيث إنه من خدام وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا يُمثل البعثة الثانية للنبي اﻷكرم. كما أنه يشابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلق كما جاء ذلك في بعض الأحاديث والآثار. فقد أخرج أبو داود عن أبي إسحاق قال: قال عليّ. ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي سيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي. وخُلُقه خُلُقي يكنى أبا عبد الله”. أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي.
لقد جاء ذلك الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني وقد دعا الناس كافة إلى دين الله الإسلام. وآمن به الكثير من الهندوس والبوذيين والزرادشتيين واليهود والنصارى والمسلمين. وجميعهم رأوا فيه الموعود المنتظر لهم. وهذا هو معنى الإلهام الذي تلقاه الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني (جريّ الله في حلل الأنبياء) فبناء على هذه الحقائق كتب الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني محدثًا بنعم الله عليه فقال : “أنه جمَع في نفسي كل شأن النبيين على سبيل الموهبة والعطاء، فهذا هو الحق الذي فيه يختلفون. لا يعود إلى الدنيا آدم، ولا نبينا الأكرم، ولا عيسى المتوفى المتّهم. سبحان الله وتعالى عما يفترون!”. (المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)
إرسال التعليق