الإعتراض : ما هو ﺗﻔﺴير اﻹلهام الذي جاء فيه هذه الكلمات: “أُﺑﺮﻳﺸﻦ – ﻋﻤﺮ – ﺑﺮاﻃﻮس أو ﺑﻴﻼﻃﻮس”؟
الردّ:
أوﻻ: أُﺑﺮﻳﺸﻦ كلمة إنجليزية اﻷﺻﻞ وهي Oppression وﺗﻌني اﺿﻄﻬﺎد، مما يشير إلى وﻗﻮع أمر فيه ﻇﻠﻢ واﺿﻄﻬﺎد على الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني .
ثاﻧﻴﺎ: كلمة “ﻋﻤﺮ” تشير إلى خطر ﻳﺘﻬﺪد حياة الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ؛ ذلك أن ﻋﻤﺮ بن الخطاب رضي الله عنه قد اﻏﺘﻴﻞ اﻏﺘﻴﺎﻻ.
ثاﻟﺜﺎ: من المعلوم أن “ﺑﻴﻼﻃﻮس” كان اﻟقاﺿـﻲ الروماني الذي ﻗُـﺪّم سيدنا عيسى عليه السلام ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤـﺔ أماﻣــﻪ بسبب اﻟﻘــﻀﻴﺔ التي رﻓﻌﻬــﺎ ضدﻩ أعداؤﻩ. وتشير هذه الكلمة إلى قاض مماﺛــﻞ ﻟﺒﻴﻼﻃــﻮس، وﻳﻠﻌﺐ دورا هاما في قضية اﻟﻈﻠﻢ واﻻﺿﻄﻬﺎد التي تهدد حياة الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني.
ﺗﻠﻘﻰ الإمام الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني هذا الوﺣﻲ في عام 1883م، وﺑﻄﺒﻴﻌـﺔ الحال لم يكن معناﻩ ﻣﻌﺮوفا في ذلك الوقت، ولو كان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻳﻔـتري – واﻟﻌﻴـﺎذ باﷲ- على الله الكذب، لما كتب ونشر هذا الوﺣﻲ الذي ﺗﻠقاﻩ من الله تعالى في وقت لم يكن حتى يعرف معناﻩ. وبعد مرور 14 عاما.. أي في عام 1897م اﺗــﻀﺢ معنى هذا الوﺣﻲ وتحقق ما يشير إليه، وذلك ﺣﻴﻨﻤــﺎ حاك اﻟﻘﺴﻴﺲ اﻟﺸﻬير الدﻛﺘﻮر ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك مؤامرة دﻧﻴﺌـﺔ ضد الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ، مما استدﻋﻰ تقديمه ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺑﺘﻬﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ على القتل. وفيما يلي ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ تلك الواﻗﻌﺔ:
كان المبشرون المسيحيون ﻳــﺴﻌﻮن بكل ﻧــﺸﺎط ﻟﻨــﺸﺮ المسيحية في اﻟﺒﻨﺠــﺎب، وكانوا ﻳــﺪّعون ﺑﺘﻔــﻮّق التعاليم المسيحية على الإسلام، وﻳﺰعمون أن اﻟﻨﺠﺎة هي لمن اﺗﺒﻊ المسيح فقط، وكانوا يريدون ﻋقد مناﻇﺮة بين المسيحية والإسلام ﻇنا منهم أنهم ﻳـــﺴﺘﻄﻴﻌﻮن بذلك إﺛﺒـــﺎت ﺗﻔﻮّﻗﻬـــﺎ على الإسلام. واﺧﺘــﺎر المسلمون في اﻟﺒﻨﺠــﺎب حضرة الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني لكي يمــﺜﻠﻬﻢ أمام المبشرين المسيحيين، وأﻗﻴﻤــﺖ تلك المناظرة اﻟــﺸﻬيرة في ﻣﺪﻳﻨــﺔ أﻣْﺮِﺗْــﺴَﺮ في عام 1893م وسميت الحرب المقدسة . وﻓﺸﻞ المسيحيون فيها ﻓﺸﻼ ذرﻳﻌﺎ، وأدركوا أنهم أمام خطر عظيم ﻳﻬـﺪد وجود المسيحية واﻧﺘﺸﺎرها في الهند، وكان هذا الخطر ﻳﺘﻤﺜـﻞ في وجود الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني وجماعته. ولما ﻓـﺸﻠﻮا في ﻣﻴـــﺪان صراع العقل والمنطق واﻷدلة واﻟبراهين، لم ﻳﺒـــﻖ أماﻣﻬﻢ سوى اﻟﺘـــﺂمر واﻟﺘﺨﻄـــﻴﻂ الدنيء، ومحاوﻻت اﻻﻧﺘقام، واﺳﺘﻌﻤﺎل المسلمين أﻧﻔﺴﻬﻢ ضد إﺧﻮانهم من المسلمين، وذلك حتى ﻳﺘﺨﻠـﺼﻮا من هذا الخطر الداهم الذي صار ﻳﻬــﺪد كل محاولاتهم ﻟﻨـﺸﺮ المسيحية في اﻟﺒﻨﺠـﺎب وفي الهند بل وفي اﻟﻌﺎلم أجمع.
ﺧﻄﻂ اﻟﻘﺴﻴﺲ الدﻛﺘﻮر ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك ﻟﻠﻤﺆامرة، ﻓﺒﺤﺚ عن شاب من المسلمين الفقراء كان ﻳُـﺪﻋﻰ عبد الحميد، وأﺧـﺬ ﻳﺘـﻮدد إليه بالعطايا واﻷموال، وﻳﺘﺤﺒـﺐ إليه بمعسول اﻟﻜـﻼم، وﻳــﺴﺘﻤﻴﻠﻪ بالوعود الدﻧﻴﻮية، ويغريه بالمــﺼﺎلح واﻷماني اﻟبراقة، حتى اﻃﻤــﺄن إليه اﻟــﺸﺎب، وصار أﺳــيرا ﻟﻜﺮﻣــﻪ وﻣﻌﺮوﻓــﻪ وﺧﺪماته. ولما ﺗﻮﻃّـــﺪت اﻟﻌﻼقة بين الدﻛﺘﻮر كلارك وعبد الحميد، ﻃﻠــﺐ إليه الدﻛﺘﻮر كلارك أن يؤدي له ﺧﺪمة اعترافا بالجميل الذي أﺳـﺪاﻩ إليه الدﻛﺘﻮر كلارك، وردًا ﻟﻜـﻞ ما أﻏـﺪق عليه من أموال وﻋﻄﺎيا، وأﻣﻼ في نوال المزيد.
ﻃﻠﺐ الدﻛﺘﻮر كلارك من عبد الحميد أن يأتي معه إلى المحكمة وﻳﺸﻬﺪ أماﻣﻬﺎ بأن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني قد أرﺳﻠﻪ لكي يقتل اﻟﻘﺴﻴﺲ ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك، وﻃﻤﺄنه بأنه سوف ﻳﺴﺎعدﻩ بما له من ﻧﻔﻮذ واﺗﺼﺎل ومعارف، ووعدﻩ بمكافأة كبيرة وأموال كثيرة لكي ﻳﻌﻴﺶ ﻏﻨﻴﺎ ﻃﻮال حياته الباﻗﻴﺔ.
لم ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟـﺸﺎب عبد الحميد أن يرﻓﺾ ﻃﻠـﺐ اﻟﻘـﺴﻴﺲ الذي كان قد أﺳـﺮﻩ ﺑﻌﻄﻔـﻪ وودﻩ ومحبته وبما أﻏﺪﻗـــﻪ عليه من أموال وﻋﻄﺎيا، وأﺷـــﻌﺮﻩ اﻟﻘــﺴﻴﺲ بأن واجب الصداقة والمودة ورد المعروف ﻳﻘﺘــﻀﻲ أﻻ يرﻓﺾ هذا اﻟﻄﻠــﺐ اﻟﺒــﺴﻴﻂ، ﻓــﺬهب معه إلى المحكمة وأدلى ﺑــﺸﻬﺎدته. وأصدر قاﺿــﻲ ﻣﺪيرية أﻣْﺮِﺗْﺴَﺮ أﻣﺮًا ﺑﺈﻟقاء اﻟﻘﺒﺾ على الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ، وحين أذﻳﻊ هذا الخـبر كان ذلك يوم ﻋﻴﺪ في الدواﺋﺮ المسيحية والهندوسية، ومن المؤسف أن بعض المشايخ الذين أعماهم الحقد واﻟﻐـيرة من الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني، قد شاركوا أعداء الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في فرﺣﻬﻢ وشماﺗﺘﻬﻢ، وراح جميع اﻷعداء يمنّون أﻧﻔــﺴﻬﻢ ﺑﻘــﺮب اليوم الذي يرون فيه الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻣﻜــﺒﻼ باﻷﻏﻼل وﻣﻘﻴّــﺪا باﻟـــﺴﻼسل، ﺗـــﺴﻮﻗﻪ الجنود أماﻣﻬﻢ لتقديمـــﻪ إلى المحاﻛﻤـــﺔ، حيث يحكم عليه باﻹعدام أو اﻟـــﺴﺠﻦمدى الحياة، ﻓﺘﻘﺮّ أﻋﻴﻨﻬﻢ وﺗﻨﺜﻠﺞ صدورهم بذلك المشهد، ويتم لهم بذلك الخلاص منه.
وﻣﺮّة أخرى نقول.. وﻧﻠﻔﺖ أﻧﻈﺎر اﻟقارئ الكريم.. إلى أنه لو كان الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻣﺘﻘـﻮّﻻ – واﻟﻌﻴــﺎذ باﷲ- على الله، وﻣﻔتريا عليه، وﻳــﺪّﻋﻲ كذبا بأنه يتلقى الوﺣﻲ منه، لتركه الله تعالى ينال الخزي والهوان حتى ﻳﻨﻔـــﻀﺢ كذبه أمام الجميع، ولكن ما حدث يدل على تدﺧﻞ الله في جاﻧﺐ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﺑـﺸﻜﻞ ﻋﺠﻴـﺐ. إذ أن قاﺿـﻲ أمرﺗـﺴﺮ الذي أصدر أمر اﻟﻘـﺒﺾ على الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أدرك أنه ليس في ﺻـــﻼﺣﻴﺘﻪ إصدار هذا اﻷمر؛ حيث إن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني لم يكن يسكن في ﻣﺪيرية أمرﺗــﺴﺮ، ﻓﻤــﻦ المعلوم أن قرية قاديان التي كان ﻳــﺴﻜﻨﻬﺎ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﺗﻘـــﻊ في ﻣﺪيرية كورداﺳــﺒﻮر و ليست في ﻣﺪيرية أمرﺗـــﺴﺮ. فأرسل اﻟقاﺿـــﻲ أمرا بعدم ﺗﻨﻔﻴﺬ أمر اﻟﻘـﺒﺾ، وإعادة أمر اﻟﻘـﺒﺾ مرة أخرى إلى اﻟقاﺿـﻲ في أمرﺗـﺴﺮ. ولكن أمر اﻟﻘـﺒﺾ هذا قد أﺧﺘﻔـــﻰ تماما، ولم ﻳُﻌﺜـــﺮ له على أﺛـــﺮ، أذ لم ﺗﺘـــﺴﻠﻤﻪ ﻣﺪيرية كورداﺳـــﺒﻮر، ولم ﻳﻮجد في ﻣﺪيرية أمرﺗﺴﺮ.
أرسل قاﺿــﻲ أمرﺗــﺴﺮ ﻣﻠــﻒ اﻟﻘــﻀﻴﺔ إلى اﻟقاﺿــﻲ المختص في ﻣﺪيرية كورداﺳــﺒﻮر، وكان هو المستر دوﻏـــﻼس (Douglas) الذي ﻓﺤـــﺺ ﻣﻠـــﻒ اﻟﻘـــﻀﻴﺔ ﻓﺤـــﺼﺎ دﻗﻴقا، ثم أرسل ﻳـــﺴﺘﺪﻋﻲ أﻃـــﺮاف اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻟﻠﻤﺜﻮل أماﻣﻪ، ﻓﺠﺎء اﻟﻘﺴﻴﺲ ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك وجاء عبد الحميد وجاء كذلك الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في ﺻـــﺤﺒﺔ بعض ﺻـــﺤﺎﺑﺘﻪ. وأثناء ﺳـــﺆال المـــﺪّﻋﻲ، ثم اﻟـــﺸﺎهد عبد الحميد؛ ﻻﺣـــﻆ اﻟقاﺿــﻲ ﺗﻌﺎرﺿــﺎ بين كلامه الذي جاء في الدعوى وأجوﺑﺘــﻪ التي يدلي بها أماﻣــﻪ. وﻧﻈــﺮا ﳋﻄــﻮرة اﻟﺘﻬﻤــﺔ أصدر أمرا ﺑﺈعادة اﻟﺘﺤﻘﻴــﻖ فيها، وأﺳــﻨﺪ هذه المهمة إلى قائد الشرﻃﺔ بنفسه. وبدأ قائد الشرﻃﺔ تحقيقاته، وأثناء اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ وﺳﺆال عبد الحميد أدرك قائد الشرﻃﺔ أن عبد الحميد كان ﻳﻘـﻴﻢ في دار اﻹرسالية المسيحية في أمرﺗﺴﺮ التي يرأسها اﻟﻘﺴﻴﺲ ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك، ﻓﻀﻴّﻖ عليه الخناق باﻷﺳﺌﻠﺔ، وإذا ﺑﻌﺒﺪ الحميد ﻳﻨﻔﺠﺮ باﻛﻴﺎ، ووقع على أقدام قائد الشرﻃﺔ واعترف بأن اﻟـﺸﻬﺎدة التي أدلى بها أمام قاﺿــﻲ أمرﺗــﺴﺮ كانت كذبا واﻓــتراءا، وأنه أقدم على ذلك بعد أن ﺣﺮّﺿــﻪ اﻟﻘــﺴﻴﺲ الدﻛﺘﻮر ﻫﻨﺮي مارﺗﻦ كلارك ووعدﻩ باﻷموال والعطايا، وأنه لم يحدث أبدا أن أرﺳـﻠﻪ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻟﻘﺘﻞ أحد؛ سواء كان الدﻛﺘﻮر مارﺗﻦ كلارك أو غيرﻩ.
ورﻓﻊ قائد الشرﻃﺔ ﺗﻘﺮيرﻩ إلى اﻟقاﺿﻲ ﻣﺴتر دوﻏـﻼس، فأعاد ﺳـﺆال كل من الدﻛﺘﻮر كلارك وعبد الحميد، وهنا اﺗﻀﺤﺖ حقيقة المؤامرة أمام الملأ، ووﻗـﻒ الدﻛﺘﻮر ﻫﻨـﺮي مارﺗﻦ كلارك موﻗﻔـﺎ مخزيا، وﺣﻜـــﻢ اﻟقاﺿـــﻲ ﺑـــبراءة الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني، وقال له بأنه من ﺣﻘـــﻪ أن يرﻓـــﻊ قضية ﻗـــﺬف ضد الدﻛﺘﻮر ﻫﻨــﺮي مارﺗﻦ كلاك بسبب اﻻتهام الكاذب الذي وجهه له ومحاوﻟﺘــﻪ ﻟﻺساءة إلى سمعته. ولكن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني قال ﻟﻠقاﺿــﻲ بأنه لم يكن ليرفع أي قضية ضد أحد أمام أي محكمة في الدنيا، ﻷن قاﺿــﻴﻪ اﻷﻋﻈــﻢ هو الله تعالى الذي له الحَكَم في الدنيا وفي الآخرة.
وهكذا اﻧﺘﻬﺖ هذه المحاﻛﻤﺔ التي ﻗُﺪّم فيها الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني إلى المحاﻛﻤـﺔ أمام اﻟقاﺿــﻲ اﻹنجليزي كما ﻗُــﺪّم المسيح عيسى بن مريم – عليه السلام – ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤــﺔ أمام اﻟقاﺿــﻲ الروماني ﺑﻴﻼﻃــﻮس، وﻛــﻼً من اﻟقاﺿــﻴين أدرك ﺑــﺮاءة المــﺘﻬﻢ الذي ﻳﻘــﻒ أماﻣــﻪ، وأﻗــﺮّ بذلك واعترف ﺑﺘﻠــﻚ اﻟبراءة أمام الناس، ولكن اﻟقاﺿﻲ ﻣﺴتر دوﻏﻼس كان أكثر ﺷﺠﺎعة من اﻟقاﺿـﻲ ﺑﻴﻼﻃـﻮس الذي لم ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻘﻒ في وجه أعداء المسيح اﺑﻦ مريم عليه السلام ﻓﺴﻠّﻤﻪ ﻷعدائه، وأﻣّﺎ ﻣﺴتر دوﻏﻼس فقد أصدر حكمه باﻟبراءة. وهكذا تحقق النبأ المكتوم في كلمات ذلك الوﺣﻲ، فاﻋﺘبروا يا أولي اﻷﻟﺒﺎب!
إرسال التعليق