الإعتراض : ما هو معنى اﻹلهام: “اﻷرض والسماء ﻣﻌﻚ كما هو ﻣﻌﻲ”؟

الردّ:
ﺗﻠﻘــﻰ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني حوالي عام 1883م وحيا من الله تعالى ورد فيه: “اﻷرض والسماء ﻣﻌﻚ كما هو ﻣﻌﻲ.” وقد شرح حضرته الوﺣﻲ المذكور فقال ما ﺗﻌﺮﻳﺒﻪ من اللغة اﻷردية ما يلي :
• قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “ورد هنا للأرض والسماء ضمير الواحد “هو” نظرًا إلى ما في الذهن، أي باعتبارهما مخلوقًا واحدًا، وهناك في القرآن الكريم أمثلة كثيرة على هذا الاستعمال. (المصدر: كتاب عاقبة آتهم، الحاشية)
•وقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “لقد استُعمل هنا للسماوات والأرض ضمير الغائب للواحد “هو” إشارةً إلى الكون كله. (المصدر: كتاب السراج المنير، الحاشية)
• وقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني: “لقد استُخدم هنا ضمير المفرد “هو” إشارةً إلى ما في السماوات والأرض. وهذه الكلمات إشارة إلى ألطاف الله وبركاته التي تحالف كل مؤمن كامل ببركة اتّباعه لسيدنا خير الرسل – صلى الله عليه وسلم -، والمصداقُ الحقيقي لهذه الأفضال كلها هو النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأما غيره فينالها ببركته هو – صلى الله عليه وسلم -. لا بد من التذكر في كل موضع أن كل مدح وثناء يرد في إلهامات مؤمن فهو للنبي – صلى الله عليه وسلم – على وجه الحقيقة، أما المؤمن فينال نصيبا منه بقدر اتباعه للنبي – صلى الله عليه وسلم -، وذلك أيضا بمحض فضل الله تعالى ومنته وليس لبراعة أو ميزة في نفس المؤمن. (المصدر: كتاب البراهين الأحمدية على حقيّة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية، الجزء الرابع، الحاشية في الحاشية 3)
وكما أﺳــﻠﻔنا القول.. ﺗﻠﻘــﻰ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني هذا الوﺣﻲ حوالي عام 1883م، ولم تكن معه في ذلك الوقت جماعة وﻻ ﻋﺼﺒﺔ، بل كان وﺣﻴﺪا؛ شأنه في ذلك شأن غيرﻩ من الناس. ولكن الله تعالى بخالص فضله أﺧبرﻩ بأن أمورا سوف تحدث في المستقبل، وأن أهل اﻷرض سوف يؤمنون به وسوف ﻳﻘﺒﻠﻮنه، وأن ﻣﻼﺋﻜـــﺔ الله سوف يؤيدونه من السماء. وقد تحقق هذا النبأ أثناء حياته الشرﻳﻔﺔ كوضوح الشمس، حيث آمن به مئات اﻷلوف من أهل اﻷرض، وأيدﻩ الله تعالى ﺑﻨـﺼﺮﻩ على أعدائه، وﻓﻮّزﻩ في مراﻣﻪ، وﺣﻔﻈﺘﻪ ﻣﻼﺋﻜﺔ الرحمن من كل سوء ومن كل شر أرادﻩ له مخاﻟﻔﻮﻩ ومعارضوﻩ، إلى أن انتقل إلى الرﻓﻴــــﻖ اﻷعلى.

ثانيا: إن اﺳﺘﻌﻤﺎل الحرف “مع” يدل على المعية والمـﺼﺎﺣﺒﺔ أيضا، وقد قال تعالى في القرآن الكريم:
• “وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ” (الحديد:4).
• “وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَیۡ عَشَرَ نَقِیبࣰاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مَعَكُمۡ” (المائدة : 12)
• “وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ” (اﻟﺒﻘﺮة:194)
• “إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ” (اﻟﺒﻘﺮة:153)
وتشير نصوص القرآن الكريم إلى أن الله كان مع بني إﺳﺮاﺋﻴﻞ، وهو مع المتقين والصاﺑﺮﻳﻦ، فهل من المعقول أن ﺧﻠﻘـﻪ – اﻷرض والسماء – ﻻ ﻳﻜﻮنون هم أيضا مع المتقين.. يؤيدونهم ويمهدون ﻃﺮﻳقا لتقدﻣﻬﻢ وازدهارهم؟ وإذا كان الله تعالى يؤكد في كتابه اﻟﻌﺰﻳــﺰ على أنه كان مع المؤمنين الصالحين من بني إﺳــﺮاﺋﻴﻞ، فأي وجه ﻟﻠﻐﺮابة أن يكون مع عبدﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ؟ واﻷرض والسماء وما فيهما هم من خلق الله تعالى، فإذا كان الخاﻟﻖ معه، فكيف ﻻ يكون ﺧﻠﻘﻪ أيضا معه؟

ثالثا: كان اﻟــﺴﻴﺪ عبد اﻟقادر الجيلاني من أﺟــﻞّ علماء الأمة ومن أقطابها، وقد كتب عن المرتبة التي يمكن أن ﻳﺼﻞ إليها السالك في وصال ربه فقال: ” … ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ تكون وارث كل رسول ونبي وﺻﺪّﻳﻖ، ﺑﻚ تختم الوﻻية وإليك ﺗـﺼﺪر اﻷبدال، وﺑـﻚ ﺗﻨﻜــﺸﻒ الكروب وﺑــﻚ ﺗُــﺴﻘﻰ اﻟﻐﻴــﻮث وﺑــﻚ ﺗﻨﺒــﺖ الزروع، وﺑــﻚ ﺗُــﺪﻓَﻊ البلايا والمحن عن الخاص واﻟﻌــﺎم وأهل اﻟﺜﻐــﻮر والراﻋــﻲ والرعايا والأمة وساﺋﺮ اﻟبرايا، ﻓﺘﻜــﻮن ﺷــﺤﻨﺔ البلاد والعباد”… (المصدر: كتاب ﻓﺘــﻮح اﻟﻐﻴﺐ؛ المقالة رﻗﻢ 4)
وقال عبد اﻟقادر الجيلاني أيضا: ” ….بهم ﺛﺒــﺎت اﻷرض والسماء، وقرار الموﺗﻰ واﻷحياء، إذ ﺟﻌﻠﻬــﻢ ﻣﻠــﻴﻜﻬﻢ أوتادا ﻟﻸرض التي دﺣﻰ، فكلٌّ كالجبل الذي رسا”… (المصدر: كتاب ﻓﺘﻮح اﻟﻐﻴﺐ؛ المقالة رﻗﻢ 14 )
ومن الواضح أن كلمات الوﺣﻲ الذي نحن ﺑﺼﺪدﻩ تشير إلى نفس ما أشار إليه اﻟـﺴﻴﺪ عبد اﻟقادر الجيلاني.

رابعا: حين ﻫﻠﻚ فرعون وﺟﻨﻮدﻩ قال الله ﻋﻨﻬﻢ في القرآن الكريم : “فَمَا بَكَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلسَّمَاۤءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُوا۟ مُنظَرِینَ” (الدخان:29)
وورد في “ﻓــﺘﺢ اﻟﺒﻴــﺎن” حدﻳﺚ ﻟﻠﺮسول صلى الله عليه وسلم :”ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواﻛﻴــﻪ إﻻّ ﺑﻜﺖ عليه السماء واﻷرض.”
فإذا كانت اﻷرض والسماء ﺗﺒﻜﻴـــﺎن على المـــﺆمن الذي يمـــﻮت في غربة ﺑﻌﻴـــﺪا عن أﻫﻠـــﻪ، ﻓﻠﻤـــﺎذا ﻳُــﺴﺘﻐﺮَب أن تكون اﻷرض والسماء مع الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني الذي بعثه الله تعالى إماما ﻣﻬـــﺪيا ومسيحا موعودا؟

خامسا: قد ﻳﺘﺴﺎءل البعض عن اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺿﻤير المذكر “هو” ﻟﻠﺪﻻلة عن اﻷرض والسماء بدﻻ من “هما.” وقد أجاب الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني على هذا اﻟﺴﺆال وأوضح كما ﺳﺒﻖ ذكرﻩ أن اﻟﻀﻤير “هو” يرجع إلى المخلوق، أي المخلوق الموجود في اﻷرض والسماء يكون ﻣﻌـﻚ كما هو ﻣﻌـﻲ، وهذا أسلوب ﻋﺮبي صحيح واﺳﺘﻌﻤﻠﻪ القرآن في عدة مواﺿﻊ كما يلي:
في قوله تعالى: “یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِیُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَحَقُّ أَن یُرۡضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ” (التوبة:61). وهنا ﻳﺒــﺪو من السياق أن كلمة “ﻳُـﺮْﺿُــﻮﻩُ” كان الأولى أن تكون “يرضوهما” ﻷنها ﺗﻌــﻮد إلى الله ورسوله، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻌﻮد إلى “صاﺣﺐ الحق”، فاﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﺑﺼﻴﻐﺔ المفرد.
وفي قوله تعالى: “وَٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَـٰشِعِینَ”(اﻟﺒﻘﺮة:45). هنا أيضا ﻳﺒﺪو أن اﻟﻀﻤير “إِنَّهَا” كان من الأولى أي يثنَّى ﻓﻴﻜـﻮن “وإنهما” حيث إنه ﻳﻌـﻮد إلى اﻟﺼبر والصلاة، ولكنه ﻳﻌﻮد إلى “العبادة”، فاﺳﺘﻌﻤﻞ ﺑﺼﻴﻐﺔ المفرد.
وقوله تعالى: “ٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ یَتَسَنَّهۡ” (اﻟﺒﻘﺮة:259). هنا كذلك ﻳﺒــﺪو أنه كان اﻷﺻــﻞ ﺑﻜﻠﻤــﺔ “یَتَسَنَّهۡ” أن تكون في ﺻــﻴﻐﺔ المثنى، وﻟﻜﻨﻬــﺎ ﺗﻌــﻮد إلى اﻟﻐﺬاء الذي يحتوي على اﻟﻄﻌﺎم والشراب، فاﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﺑﺼﻴﻐﺔ المفرد.
وقوله تعالى: “وَٱلَّذِینَ یَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ” (التوبة:33). هنا أيضا ﻳﺒﺪو أن كلمة “وَلَا یُنفِقُونَهَا” كانت من الأولى أن تكون “وﻻ ﻳﻨﻔﻘﻮنهما” وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻌﻮد إلى اﻟﺜﺮوة، فاﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﺑﺼﻴﻐﺔ المفرد.
وﻳﺘﺒــين من كل هذه اﻷﻣﺜﻠــﺔ القرآنية ﺳـــﻼمة هذا اﻷسلوب اﻟﻌــﺮبي، وهو ﻳــﺴﺘﻌﻤﻞ ﻟﻠﺪﻻلة على البلاﻏﺔ التي يريد المتكلم أن ﻳـﻀﻤﻨﻬﺎ حديثه، ﻓﻴـﺸير إلى أمر محـﺬوف ﺑﻜﻠﻤـﺔ أو ﺿـﻤير تدل عليه، وﻳــترك ﻟﻠﻤــﺴﺘﻤﻊ اﺳــﺘﻨﺘﺎج ذلك المحــﺬوف، وهو أسلوب من أساليب البلاﻏــﺔ. لقد اعترض بعض المشايخ من الهنود على هذا اﻷسلوب الذي جاء في وﺣــﻲ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني وذلك لجهلهم بأساليب اللغة العربية. أما وقد ﺗﺒــين ﺳــﻼمة اﻷسلوب اﻟﻌــﺮبي وﺑﻼﻏﺘــﻪ، أفليس من الأولى بهــﺆﻻء الذين ﻳــﺴﻮﻗﻮن اﻻﻋتراﺿــﺎت جزافا أن ﻳــﺴﺄلوا أﻧﻔــﺴﻬﻢ من أين تعلم الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني هذه الأساليب العربية اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ التي من اﻟنادر أن ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ، إن لم يكن مصدرها هو الله تعالى اﻟﻌﻠﻴﻢ الخبير بكل ﻟﺴﺎن وبكل ﺑﻼﻏﺔ؟

إرسال التعليق