الإعتراض : أﻻ يدل الوﺣﻲ : “أنت مني وأنا ﻣﻨﻚ، أنت مني بمنزلة ولدي” على ادعاء اﻷلوﻫﻴﺔ؟
الردّ:
تدل هذه الكلمات اﻹلهاﻣﻴـــﺔ على ﻋﻼقة المودة والمحبة التي كانت بين الله تعالى وبين الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني وقد اﺳﺘُﻌﻤِﻞ نفس هذا اﻷسلوب في القرآن وفي اﻷحادﻳﺚ الشرﻳﻔﺔ وفي كلام اﻟﻌــﺮب ﺑﻐــﺮض إﻇﻬــﺎر غاية المحبة والمودة بين المتكلم والمخاطب. فقد ورد في القرآن الكريم على ﻟﺴﺎن سيدنا إﺑﺮاﻫﻴﻢ :”فَمَن تَبِعَنِی فَإِنَّهُۥ مِنِّی” (إبراهيم : 36)
وبالتأكيد ﻻ ﻳﻔﻬﻢ أحد من كلمة (مِنِّی) بأن كل من اﺗﺒﻊ سيدنا إﺑـﺮاﻫﻴﻢ قد أﺻـﺒﺢ من أوﻻدﻩ، بل هي تدل على غاية الحب ﺑﻴﻨﻪ وبين أتباﻋﻪ، حتى ﻟﻜﺄنهم صاروا مثل أوﻻدﻩ.
كذلك ورد في القرآن بأن ﻃﺎلوت قال لجنوده: “فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَیۡسَ مِنِّی وَمَن لَّمۡ یَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّیۤ” (البقرة : 249)، وﻻ ﻳُﻔــﺴﺮ أحد هذه اﻵية بأن كل من لم يشرب قد صار من أوﻻد ﻃﺎلوت، بل ﺗﻌني أن من شرب لن يكون من أتباع ﻃـﺎلوت، وأن من لم يشرب فهو مع ﻃـﺎلوت، وﻃﺎلوت معه.
وﻟﺮسول الله صلى الله عليه وسلم أﻗـــﻮال كثيرة مشابهة لهذا اﻟﺘﻌﺒـــير، إذ ورد عنه أنه قال: “إن ﻋﻠﻴًّـــﺎ مني وأنا منه” (اﻟترﻣــﺬي، مناﻗــﺐ ﻋﻠــﻲ ﺑــﻦ أبي ﻃﺎﻟــﺐ )، وﻻ ﻳُﻔــﺴﺮ أحد هذا الحديث على أن اﻟﻌﻼقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عليّ هي ﻋﻼقة أبوة وﺑﻨــﻮّة مادية، فالجميع يعلم أن ﻋﻠــﻲ كان اﺑــﻦ أبي ﻃﺎﻟﺐ. وكذلك قال : “ﺣـﺴين مني وأنا من ﺣـﺴين” (اﻟترﻣـﺬي؛ أبواب المناﻗـﺐ عن رسول الله ) وأيضا قال : “العباس مني وأنا منه” (المرجع السابق)، كذلك قال عن سلمان لفارﺳـﻲ: “سلمان ﻣﻨّـﺎ أهل اﻟﺒﻴـﺖ” (المـﺴﺘﺪرك، كتاب معرفة الصحابة). كما ورد عنه كذلك أنه قال عن اﻷﺷﻌﺮﻳين: “هم مني وأنا منهم” (اﻟﺒﺨﺎري؛ كتاب المﻐﺎزي، باب قدوم اﻷﺷﻌﺮﻳين وأهل اليمن) ﻳﺘــﻀﺢ من اﺳــﺘﻌﻤﺎل القرآن الكريم والحديث الشرﻳﻒ لهذا اﻟﺘﻌﺒــير: “أنت مني وأنا ﻣﻨــﻚ” أن مثل هذه الكلمات ﺗُﻄﻠﻖ ﻟﺘﺒﻴﺎن غاية المحبة وإﻇﻬـﺎر كمال المودّة. وهي قد جاءت في إلهامات الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ﻟﻠﺪﻻلة على مدى اﻟﻌﻼقة الوﺛﻴﻘﺔ والحب اﻟﻌﻈﻴﻢ الذي كان بين الله وعبدﻩ غلام أحمد اﻹمام المهدي . وفي الحديث القدﺳﻲ يشير الله تعالى إلى أنه ﺣﻴﻨﻤﺎ يحب إنسانا فإنه سبحانه يكون سمعه وﺑﺼﺮﻩ، ويكون يدﻩ ورجله التي يمشي بها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ( رواه البخاري )
ولم ﻳﻘﻞ أحد ﺑﺘﺎتا أن كون الله قد صار يد المـﺆمن التي ﻳـﺒﻄﺶ بها أو رجله التي يمشي بها يعني أن الله قد ﺣــﻞّ في ﺟــﺴﺪ هذا المــﺆمن، بل ﻳﻔﻬــﻢ الجميع أن ذاك المــﺆمن قد صار قرﻳﺒــﺎ من الله تعالى وﺗﻔﺎنى في ﺣﺒﻪ وﻃﺎﻋﺘﻪ، حتى أن يدﻩ التي ﻳـﺒﻄﺶ بها ﻻ ﺗﻔﻌـﻞ أمرا إﻻّ ما ﻳﺘﻔـﻖ مع أمر الله ومحبته، ورجله التي يمشي بها ﻻ تخطو إﻻّ في سبيل محبة الله وﻃﺎﻋﺘﻪ.
لقد ﻓــﺴﺮ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني “أنت مني وأنا ﻣﻨﻚ” وشرح معناﻩ بكل وضوح. وﻳــﺘﻠﺨﺺ ﺗﻔــﺴير الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني لهذا الوﺣﻲ أن قوله تعالى: “أنت مني” يعني أﻧــﻚ ﻣﺒﻌــﻮث من عندي، وقوله: “أنا ﻣﻨﻚ” يشير إلى وحدانية الله التي ﻓُﻘِﺪت في اﻟﻌﺼﺮ الحاضر بين الناس، حيث ﻳُﻨﻜﺮ الملحدون وجود الله تعالى، وﻳــﺰﻋﻢ المسيحيون أن الله ثاﻟــﺚ ثلاثة، واتخــﺬ اليهود أﺣﺒــﺎرهم ورهبانهم أربابا من دون الله، واتخــﺬ غيرهم من البشر مثل الهندوس واﻟﺒﻮذﻳــﻮن وغيرهم رجاﻻ رﻓﻌــﻮهم إلى مرتبة اﻵلهــﺔ كما ﻓﻌــﻞ المسيحيون ﺑﻌﻴــﺴﻰ ﺑــﻦ مريم ، وانصرف المسلمون عن جوﻫﺮ الشرﻳﻌﺔ وتمــﺴﻜﻮا بالظواهر حتى ﻳﻜـــﺎد ﻳﻨﻄﺒـــﻖ عليهم قوله تعالى: “وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ” (يوسف:106). ﻓﻔـــﻲ هذه الظروف يقول تعالى ﻟﻌﺒـــﺪﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “أنا ﻣﻨـــﻚ” إشارة إلى أن وحدانية الله المفقودة في هذا اﻟﻌﺼﺮ.. ﻋﺼﺮ الإلحاد وفقدان اﻹيمان واﻧﺘﺸﺎر التثليث والشرك.. هذه الوحدانية سوف ﺗﻌﻮد وﺗﻌﻠﻮ وتظهر بواﺳﻄﺘﻚ. هذا باختصار وفيما يلي تفسير الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني للوحي “أنت مني وأنا منك”
قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني عن شرح الإلهام “أنت مني وأنا منك” : الجزء الأول منه واضح تمام الوضوح وهو أن الله تعالى يقول: لقد ظهرتَ نتيجة فضلي ولطفي. فالذي يرسله الله تعالى مأمورا إلى الدنيا يأمره بإراداته ومشيئته. كما هي عادة الحكام أيضا وقانونهم.
يقول الله تعالى في هذا الإلهام: “أنا منك”، والمراد منه أن توحيدي وجلالي وإكرامي سيظهر بواسطتك. يأتي وقت حين تمتلئ الأرض فسقا وفجورا وشرا وفسادا، ويغرق الناس في عبادة الأسباب ويفنون فيها لدرجة كأنه لا يوجد لله أدنى أثر. ففي هذا الوقت يُرسل الله عبدا من عنده لإظهار نفسه. إن سلسلة الصلحاء الذين يؤمن بهم الهندوس تندرج أيضا في هذه القائمة وكأن الله تعالى يتكلّم داخلهم بصورة مجازية.
لقد انتشرت عبادة الأسباب وعبادة الدنيا في هذا العصر بحيث لم يعد التوكل والإيمان بالله باقيا. ترى الإلحاد والدهرية على قمتها، فيضطر المرء للقول نظرا إلى حالة الدهر الحالية أن الدهر يصرخ بلسان حاله أنه ليس هناك إله.لقد ضعفت الحالة العملية لدرجة كثرت الفحشاء المكشوفة والفسق والفجور. كل هذه الأشياء تُظهر أن الإيمان بالله وهيبته قد تلاشت من القلوب ولم يعد به يقين قط. وإلا لماذا لا يُدخل الإنسان يده في جحر يعلم أن فيه حية. ألا يتضح جليا من تفاقم ظاهرة الوقاحة والفسق والفجور وإتلاف الحقوق أنه لم يعد هناك إيمان بالله تعالى؟ أو قولوا إن شئتم أن الله تعالى مفقود. لقد أراد الله أن يُظهر نفسه الآن وبعثني وقال لي: “أنت مني وأنا منك”، ومعناه أن جلالي وتوحيدي وعظمتي سوف تتجلى بواسطتك أنت. فأنواع النصرة والتأييدات التي أبداها الله تعالى لهذه الجماعة، والآيات التي أظهرها إنما هي وسائل لإظهار وجود الله وعظمته.
هذا الأمر ليس بالمشبوه أو المشكوك فيه بل موجود في جميع الأديان كقاسم مشترك أن زمنا يأتي لظهور الله ثم تأتي فترة يُظن كأن الله مفقود فيها. في هذه الفترة لا يكون الإيمان بوجود الله وتوحيده وصفاته باقيا ويصبح الناس ملحدين عمليا، والذي يجعله الله تعالى مظهر تجلياته يصير سببا لإظهار وجوده وتوحيده وجلاله، ويكون مصداق: “أنا منك”.
إن قال أحد: ما حاجة الله للوسيلة؟ قلتُ: الحق أنه ليس بحاجة إليها، ولكنه أراد كذلك في عالم الأسباب هذا. خذوا العطش والجوع مثلا، فهما لا يخمدان بغير الماء والطعام. فعلى هذا النحو تتحقق مقتضيات القوى والقدرات كلها. لقد وضع الله لإصلاح حياة الدنيا المدنية وتهذيبها سلسلة الحكومات والملوك الذين يعاقبون الأشرار ويحمون حقوق الخلق وأرواحهم وأموالهم وأعراضهم. من المعلوم أن الله تعالى لا ينزل بنفسه مع أنه هو الذي يحمي وينقذ من شر الأشرار في الحقيقة.كذلك هناك قانون مثله في النظام الروحاني. التزكية والطهارة الحقيقية والإيمان الذي به تتولد المعرفة والبصيرة واليقين يأتي من الله تعالى بواسطة المبعوث منه – سبحانه وتعالى – ويكون وسيلة لإظهار جلال الله وعظمته. وهذا يحدث حين لا تبقى في العالم طهارة حقيقية ويحدث بُعد ومسافة من الله وكأن الله ليس موجودا أصلا. عندما لا يبقى في يد أهل الدنيا إلا القشر دون اللبّ يتجلى الله تعالى بواسطة عبد من عباده. ولأنه أرسلني أنا في هذا العصر لذا خاطبني قائلا: “أنت مني وأنا منك”. (المصدر: جريدة الحكم بتاريخ 10-11-1902م)
وأما ما جاء من قول الله تعالى في وﺣﻲ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “أنت مني بمنزلة ولدي”، فقد ﻓـﺴّﺮﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني فقال: ” ….ﺳــﺒﺤﺎن الله وتعالى أن يكون له ولد، ولكن هذا اﺳــﺘﻌﺎرة كمثل قوله تعالى: “فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَاۤءَكُمۡ” ، واﻻﺳــﺘﻌﺎرات كثيرة في القرآن وﻻ اعتراض عليها عند أهل اﻟﻌﻠــﻢ واﻟﻌﺮفان، فهذا القول ليس ﺑﻘــــﻮل ﻣﻨﻜــــﺮ، وتجد ﻧﻈــــﺎﺋﺮﻩ في الكتب الإلهية وأﻗــــﻮال ﻗــــﻮم روحاﻧﻴين ﻳــــﺴﻤّﻮن باﻟــﺼﻮﻓﻴﺔ، فلا ﺗﻌﺠﻠـــﻮا ﻋﻠﻴنا يا أهل اﻟﻔﻄﻨــﺔ….” (المصدر كتاب اﻻﺳـــﺘﻔﺘﺎء) .
وقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أيضا : “إن الله تعالى منزَّه عن الأبناء، وهذه الكلمة هي كاستعارة. لمّا كان الجهال من النصارى في هذا الزمن قد ألّهوا عيسى – عليه السلام – بناء على كلمات مثلها لذا فقد أرادت الحكمة الإلهية أن تستخدم أكبر منها في حقي لكي تفتح عيون النصارى ويدركوا أن الكلمات التي يؤلِّهون المسيحَ بسببها قد استُخدِمت أكبر منها في حق شخص من هذه الأمة” (المصدر: كتاب حقيقة الوحي)
فحيث إن المسيحيين قد ﻏﻠـﻮا في أمر المسيح اﺑـﻦ مريم واﻋﺘـبروﻩ اﺑﻦ الله، وأنه وحدﻩ من دون الخلق جميعا الذي ﻳﻌﺘـبر “ولد الله” واﻟﻌﻴـﺎذ باﷲ، لذلك أراد سبحانه أن ﻳُﺒّين مرتبة رسوله اﻷﻋﻈﻢ وسيد الخلق أجمعين، عليه وعلى أﻫﻠﻪ وأﺻﺤﺎبه وأتباﻋﻪ أفضل الصلاة واﻟﺘـــﺴﻠﻴﻢ، ﻓﺒﻌـــﺚ رﺟـــﻼ من ﺧـــﺪام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أتباﻋـــﻪ وهو الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني وجعله الله المسيح الموعود أي ﻣﺜـــﻴﻼ لذلك الذي اتخـــﺬﻩ النصارى “ولد الله”، وقال له أنت بمنزلة ذلك الذي زعموا أنه اﺑــﻦ الله، وﻛﺄنه سبحانه ﻳُﺒﻜّــﺖ أولئك المغضوب عليهم واﻟــﻀﺎﻟين الذين قال تعالى ﻋــﻨﻬﻢ: “وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ عُزَیۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِ” (التوبة:29)، ﻓﻜﺄنه سبحانه يقول: إنني ﺟﻌﻠــﺖ واحدا من ﺧــﺪام محمد صلى الله عليه وسلم في ﻣﻨـــﺰلة ذلك الذي زﻋﻤــﺘﻢ أنه ولدي، فإذا كانت هذه ﻣﻨـــﺰلة الخادم، ﻓﻤــﺎ أﻋﻈﻤﻬــﺎ وأرﻓﻌﻬﺎ وأﻋﻼها ﻣﻨـﺰلة اﻟﺴﻴﺪ الذي أنتم عنه غافلون! اللهم ﺻـﻞ على هذا النبي الصادق اﻷﻣـين، وسلم على هذا الرسول الكريم اﻟﻌﻈﻴﻢ، وبارك على من ﺟﻌﻠﺘﻪ رحمة ﻟﻠﻌﺎلمين إلى يوم الدين يا أرﺣـﻢ الراحمين.
إرسال التعليق