الإعتراض : ما هو معنى اﻹلهام: “إنما أمرك إذا أردت شيئًا أن تقول له ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮن”؟

الردّ:
هذا اﻹلهام يحمل البشرى ﺑﻨﺼﺮ الله تعالى وتأييدﻩ ﻟﻌﺒﺪﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني. لقد ورد هذا الوﺣﻲ مع كلمات أخرى تشير إلى وﻗﻮع بعض المحن، ثم ﻋﻠّﻤﻪ الله تعالى دعاء لكي ﻳُﻔﺮّج سبحانه هذه المحن، ثم وعدﻩ بأنه ﺗﺒـﺎرك وتعالى سوف ﻳـﺴﺘﺠﻴﺐ أدﻋﻴﺘـﻪ وﺗـﻀﺮعاته، ويحقق مأربه وﻣﻘـﺼﺪﻩ، ﻷنه هو القوي القدير الذي إذا أراد شيئًا ﻓﻴﻘﻮل له ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮن. ﻓﺠﺎء في اﻹلهام المذكور: ” … إني صادق إني صادق وﻳﺸﻬﺪ الله لي…. ﺿﺎقت اﻷرضُ بما رﺣُﺒَﺖ، ربّ إني ﻣﻐﻠﻮب فاﻧﺘﺼﺮ ﻓﺴﺤّﻘﻬﻢ ﺗﺴﺤﻴقا، قوم بعدوا من طريق الحياة الإنسانية. إنما أمرك إذا أردتَ شيئًا أن تقول له ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮن…”
إن هذه الكلمات: “إنما أمرك إذا أردتَ شيئًا أن تقول له ﻛــﻦ ﻓﻴﻜــﻮن” ليست سوى اﺳــﺘﻜﻤﺎﻻ ﻟﻠﺠﻤﻠﺔ التي ﺗﺴﺒﻘﻬﺎ وهي “إني ﻣﻐﻠﻮب فاﻧﺘﺼﺮ”، وهي على ﻟﺴﺎن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني، وهذا هو اﻷسلوب الإلهي في ﺗﻌﻠﻴﻢ عبادﻩ ﻛﻴﻔﻴﺔ الدعاء، وقد ورد ﻣﺜﻴﻠﻪ في القرآن في عدة مواﺿـﻊ. بل ورد دعاء “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” في سورة الفاتحة ﻣﺒﺎشرة بعد ﺗﻌﺪيد صفات الله تعالى، فهل معنى هذه اﻵية أن الله تعالى يقول ﻟﺮسوله الكريم إنني أعبدك وأﺳــﺘﻌين ﺑــﻚ؟ كلا، بل هو ﺧﻄﺎب من النبي ومن كل ﻣﺴﻠﻢ إلى الله تعالى. وهذا ﻛﻬﺬا، يقول الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ما ﺗﻌﺮﻳﺒﻪ:
“لقد شاهدتُ ﻣﻠﻜﻮت الله في اﻷرض، ليس لمـﺮة واحدة بل لمـﺮات عديدة، حتى أني لم أر ﺑـﺪّا من اﻹيمان ﺑﺂية الله هذه “لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ”، أي أن ﻣﻠﻜــﻮت الله في اﻷرض أيضا كما هو في السماء كذلك، وباﻵية “إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُۥۤ إِذَاۤ أَرَادَ شَیۡـًٔا أَن یَقُولَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ” أي أن اﻷرض والسماوات جميعا رﻫﻴﻨــﺔ ﻟﻄﺎﻋﺘــﻪ، فإذا أراد أمرا؛ يقول له ﻛــﻦ، ﻓﻴﻜــﻮن ﻟــﺴﺎﻋﺘﻪ. ويقول سبحانه “وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ” (المصدر: كتاب ﺳﻔﻴﻨﺔ نوح )
لقد ﻧﻘﻠنا هذا اﻟﻨﺺ حتى ﻻ يخطر ﺑﺒﺎل أحد أن الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني فهم من الوﺣﻲ أنه صار إًلها، واﻟﻌﻴﺎذ باﷲ.
و يجب أيضا أﻻ ﻧﻨﺴﻰ أن غاية خلق الإنسان هي معرفة الله وعبادته وﻃﺎعة أمرﻩ، والعبادة الحقيقية هي أن ﻳﻔنى الإنسان في ﻃﺎعة ربه وموﻻﻩ، بمعنى أن إرادة الإنسان تفنى وﻻ تبقى لديه سوى إرادة رب العالمين، فلا ﻳﺒﺘﻐﻲ شيئًا إﻻ إذا شاءﻩ ربه، وﻻ يريد أمرا إﻻّ إذا أراد محبوبه الله رب العالمين، وعلى ذلك يكون كل ما يصدر عن ذلك العبد الرباني هو ما يصدر عن الله تعالى، وقد ﻋـبر الله تعالى عن ذلك في الحدﻳﺚ القدﺳﻲ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ( رواه البخاري). ومن هذا المنطلق قال اﻟﺴﻴﺪ عبد اﻟقادر الجيلاني في كتاب ﻓﺘﻮح اﻟﻐﻴﺐ: “قال الله في بعض كتبه: يا اﺑـــﻦ آدم؛ أنا الله ﻻ إله إﻻّ أنا، أقول ﻟﻠـــﺸﻲء ﻛـــﻦ ﻓﻴﻜـــﻮن، أﻃﻌـــني أﺟﻌﻠﻚ تقول ﻟﻠﺸﻲء ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮن.” (كتاب ﻓﺘﻮح اﻟﻐﻴﺐ،مقالة رقم :113)
هذه هي صفات العبد الرباني الذي ﻳﺘﺨﻠــﻖ بأخلاق الله عز وجل، فليس من المــﺴﺘﻐﺮب إذن أن تكون كلمات هذا اﻹلهام الذي نحن ﺑﺼﺪدﻩ: “إنما أمرك إذا أردت شيئًا أن تقول له ﻛـﻦ ﻓﻴﻜـﻮن” موﺟّﻬـﺔ من الله تعالى إلى عبدﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني، وﻟﻜﻨﻬـﺎ في هذه الحالة ﻻ ﺗﻌـني أنه- واﻟﻌﻴــﺎذ باﷲ- قد صار إلها أو ﻣﺜــﻴﻼ ﷲ، وإنما ﺗﻌــني أنه قد تخلق بأخلاق الله، وصار عبدا رباﻧﻴــﺎ، وﻓﻨــﺖ إرادته ولم ﺗﻌﺪ له إرادة سوى إرادة رب العالمين.

إرسال التعليق