الإعتراض : ما هو معنى اﻹلهام: “نحمدك، ونصلي ﺻﻼة العرش إلى الفرش، يحمدك الله، ويمشي إليك”؟

الردّ:
إن كل مؤمن ﻣــﺴﻠﻢ ﻳﻌﺘقد اﻋﺘقادا راﺳــﺨﺎ بأن الحمد الحقيقي هو لله، ومن أجل ذلك قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني باللغة العربية مؤكدا على هذه الحقيقة: “…. ولا يتحقق حقيقةُ الحمد كما هو حقُّها إلا للذي هو مَبْدَءٌ لجميع الفيوض والأنوار، ومُحسِنٌ على وجه البصيرة، لا مِن غير الشعور ولا من الاضطرار، فلا يوجد هذا المعنى إلا في الله الخبير البصير، وإنه هو المحسن ومِنْه المِننُ كلها في الأول والأخير، وله الحمد في هذه الدار وتلك الدار، وإليه يرجع كلُّ حمد يُنسَب إلى الأغيار…” (المصدر: كتاب إﻋﺠــﺎز المسيح)
وقبل أن نشرح الجزء الأول من اﻹلهام المذكور، ﻧﻠﻔـﺖ اﻧﺘﺒـﺎﻩ اﻟقارئ الكريم إلى معنى “الحمد” كما ورد في ﻣﻌﺠﻢ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب:
“حَمَدَ” الحمد ﻧﻘﻴﺾ الذمّ، وﻳُقال حمدﺗُﻪ على ﻓﻌﻠﻪ، ومنه المحمدة خلاف المذمّة.
وﺣــﺴﺐ هذا المعنى الذي ﻳُقال فيه “حمدﺗُــﻪ على ﻓﻌﻠــﻪ” فإن الله حمد عبدﻩ المبعوث من ﻗِﺒَﻠِــﻪ إماما ﻣﻬﺪﻳّﺎ ومسيحا موعودًا، ﻷنه أدّى تلك المسؤولية التي وُﺿـﻌﺖ على كاﻫﻠـﻪ. وأوضح الله أن أعداءﻩ يذﻣّﻮنه ويحاولون أن ﻳﻬﻴﻨﻮﻩ، ولكن الله يحمده ويمدحه. وأوضح الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أن هذا المدح والحمد ﻻ يختص به ﻓﺤﺴﺐ، بل يناله كل عبد مخلص إذا قام بأعمال صالحة تؤﻫﻠﻪ إلى أن يكون موﺿﻊ حمد الله ومحل ﻣﺪﺣﻪ وﺛنائه، ﻓقد قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني: ” … عند ذلك يكون العبد المخلص في اﻟﻌﻤـــﻞ محﺒﻮبا في الحضرة، فإن الله يحمده من ﻋﺮﺷـــﻪ” (المرجع السابق )
ونحن ﻧﻌﺘقد أن المقام اﻷعلى واﻷسمــﻰ في الحمد قد ناله أعلى الخلق وأسماهم مقاما وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى، ولم يحصل على ذلك المقام.. ولن يحصل عليه.. أحد غيرﻩ، حيث قال له الله عز وجل: “عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا” (اﻹﺳﺮاء:79)

وجاء في الجزء اﻟﺜﺎني من اﻹلهام: “نصلي ﺻﻼة العرش إلى الفرش.” وقد قال الله تعالى: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِیرࣰا * وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا * هُوَ ٱلَّذِی یُصَلِّی عَلَیۡكُمۡ وَمَلَـٰۤىِٕكَتُهُۥ لِیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیمࣰا” (الأحزاب:41-43)
وقال تعالى : “إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا” (اﻷﺣﺰاب:56)
فإذا كان الله تعالى وﻣﻼﺋﻜﺘــﻪ يصلون على المؤمنين الصالحين كما يصلون على النبي، ﻓﻤــﺎ وجه اﻟﻐﺮابة أن ﻳﺼﻠﻲ الله على عبدﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني؟
لقد جاء في ﻟـﺴﺎن اﻟﻌـﺮب: “فاﻟـﺼﻼة من الملائكة دعاء واﺳـﺘﻐﻔﺎر، ومن الله رحمة. قال أبو بكر: اﻟـــﺼﻠﻮات معناها اﻟـــترﺣﻢ، وقوله تعالى: “إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ”، أي ﻳﱰّحمـــﻮن” (ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب: تحت كلمة “ﺻﻼ” ، ج14، ص(465 )
وهذا هو نفس اﻷسلوب الذي اﺳـــﺘُﻌﻤِﻞَ في اﻹلهام المذكور ﺣﻴﻨﻤـــﺎ قال الله مخاﻃﺒـــﺎ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : “نصلي ﺻﻼة العرش إلى الفرش”، أي أنه تعالى ينزل عليه رحمته من ﻋﺮﺷﻪ عز وجل إلى اﻷرض، وأنه ﺑقدرته يجعل كل شيء فيها على قدم اﻻﺳــﺘﻌﺪاد ﻟﺘﺤﻘﻴــﻖ الهدف الساﻣﻲ من ﺑﻌﺜﺘــﻪ، ﻓﺘﻈﻬــﺮ اﻵيات الدالة على صدﻗﻪ من السماء، وتظهر المعجزات من اﻷرض شاهدة على حقيقة أمرﻩ. ﻓﻤﺎ هو وجه اﻻﻋتراض على هذا اﻷسلوب عند من آتاﻩ الله شيئًا من العقل واﻟﺘـﺪﺑﺮ؟ إن كلمة “الفرش” هنا، ﺗﻌـــني اﻷرض؛ ﻳقال: “اﻓـــترش اﻷرض واﻟﺘﺤـــﻒ باﻟـــﺴﻤﺎء” لمن نام على اﻷرض ﺑﻐير ﻏﻄﺎء. وقد قال الله تعالى: “ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَ ٰ⁠شࣰا” (البقرة: 22)، فالفرش اﻷرض.

أما الجزي الأخير من الإلهام: “ويمشي إليك”، ﻓﻴُﻔﻬﻢ من خلال الحديث القدﺳﻲ:
“عن أبي ﻫﺮيرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً .” (متفق عليه، واللفظ للبخاري)
وﻳﺘﻀﺢ من هذا الحديث أن الله تعالى ﻻ يمشي ﻓﺤـﺴﺐ إلى عبادﻩ المؤمنين الصالحين، بل يأﺗﻴﻬﻢ ﻫﺮولة، وما جاء في إلهام الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني إنما هو على نمـﻂ ما ﻗﻴـﻞ في هذا الحديث القدﺳـﻲ الشرﻳﻒ، وﻻ محل ﻟﻼﻋتراض عند ذوي اﻟﻌﻘﻮل واﻟﺒﺼﺎﺋﺮ.

إرسال التعليق