الإعتراض : ما هو ﺗﻔﺴير المنام الذي رأى فيه الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني أنه قد أﺻﺒﺢ الله؟ أليس معناﻩ أنه ﻳﺸﺒﻪ الله بالبشر؟ أﻻ يعني هذا أنه يدﻋﻲ اﻷلوﻫﻴﺔ؟

الردّ:
قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني عن ذلك المنام: “ ولا نعني بهذه الواقعة كما يعنى في كتب أصحاب وحدة الوجود، وما نعني بذلك ما هو مذهب الحلوليين، بل هذه الواقعة توافق حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -، أعني بذلك حديث البخاري في بيان مرتبة قرب النوافل لعباد الله الصالحين.” (المصدر: كتاب: مرآة كماﻻت الإسلام).
إن الحديث القدﺳــﻲ الذي أشار إليه حضرته ورواﻩ اﻟﺒﺨــﺎري، هو: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: إن الله قال ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه (رواه البخاري ،كتاب الرقاق، باب التواﺿﻊ)
هذا باختصار وفيما يلي المزيد من التفصيل.

يرى البعض أن رؤية الله هي كرؤية ﺟﺴﻢ يرى باﻟﻌين المجردة ، وهذا تجسيم لله عز وجل.
لكن رؤية الله في المنام ﻻ ﺗﺘــــﻀﻤﻦ مشابهته بالمخلوقات وﻻ ﺗﺘــــﻀﻤﻦ ﺗﻨﻘﻴــــﺼﺎ منه سبحانه، وﻻ ﺗﺘـﻀﻤﻦ أنه ﺟـﺴﻢ ﻳـُـﺮى باﻟﻌين باﻧﻌﻜــﺎس اﻟــﻀﻮء عنه. فالرؤيا شيء والمشاهدة باﻟﻌين المجردة شيء آخر. ثم إن الله تعالى ذكر أن رسوله قد رأى ربه: فقال تعالى : “مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰۤ” (النجم : 11)، كما يقول الله تعالى بأن المؤمنين ﺳــيرون الله تعالى يوم اﻟﻘﻴﺎمة: “وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ” (اﻟﻘﻴﺎمة: 22-23) فاﷲ تعالى ﻳُﺮى باﻟﻘﻠﺐ، وباﻟﺮؤيا.
أما المنام الذي رآﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني فقد كتب عنه ما يلي: “…. ورأيتني في المنام عين الله، وتيقنت أنني هو…. وبينما أنا في هذه الحالة كنت أقول: إنا نريد نظامًا جديدًا .. سماءً جديدة وأرضًا جديدة. فخلقتُ السماوات والأرض أولا بصورة إجمالية لا تفريق فيها ولا ترتيب، ثم فرقتها ورتّبتها بوضع هو مراد الحق، وكنت أجد نفسي على خلقها كالقادرين. ثم خلقت السماء الدنيا وقلت: إنا زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح. ثم قلت: الآن نخلق الإنسان من سلالة من طين. ثم انحدرتُ من الكشف إلى الإلهام فجرى على لساني: “أردتُ أن أستخلف فخلَقتُ آدم، إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وكنا كذلك خالقين”.
وألقي في قلبي أن الله إذا أراد أن يخلق آدم فيخلق السماوات والأرض في ستة أيام ويخلق كل ما لا بد منه في السماء والأرضين. ثم في آخر اليوم السادس يخلق آدم، وكذلك جرت عادته في الأولين والآخرين.
وألقي في قلبي أن هذا الخلق الذي رأيته إشارة إلى تأييدات سماوية وأرضية، وجعلِ الأسباب موافقة للمطلوب، وخلقِ كل فطرة مناسبة مستعدةً للحوق بالصالحين الطيبين. وألقي في بالي أن الله ينادي كل فطرة صالحة من السماء ويقول: كوني على عُدّة لنصرة عبدي وارحلوا إليه مسارعين. ورأيت ذلك في ربيع الثاني سنة 1309 هـ. فتبارك الله أصدق الموحين. ولا نعني بهذه الواقعة كما يعنى في كتب أصحاب وحدة الوجود، وما نعني بذلك ما هو مذهب الحلوليين، بل هذه الواقعة توافق حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -، أعني بذلك حديث البخاري في بيان مرتبة قرب النوافل لعباد الله الصالحين.” (المصدر: كتاب: مرآة كماﻻت الإسلام).

إن الحديث القدﺳــﻲ الذي أشار إليه حضرته ورواﻩ اﻟﺒﺨــﺎري، هو: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: إن الله قال ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه (رواه البخاري ،كتاب الرقاق، باب التواﺿﻊ)

وﻳﺘﻀﺢ من دراﺳﺔ القرآن واﻷحادﻳﺚ الشرﻳﻔﺔ أن الرؤى ﻻ ﺗﻨﻄﺒـﻖ على الظاﻫﺮ وﻻ ﺗُﻔﺴّﺮ بحرﻓﻴﺘﻬﺎ، وإنما تحتاج إلى الشرح واﻟﺘﺄويل، كما جاء على سبيل المثال في القرآن الكريم: “یَـٰۤأَبَتِ إِنِّی رَأَیۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَیۡتُهُمۡ لِی سَـٰجِدِینَ ” (يوسف:4) . فهل يكون من المعقول أن ﺗُﺆﺧﺬ هذه الرؤيا على الظاﻫﺮ وﺗُﻔﺴّﺮ بحرﻓﻴﺘﻬﺎ؟ وهل ﻳُﻨﻜﺮ أحد أن هذه الرؤيا كانت تحتاج إلى التفسير واﻟﺘﺄويل؟ وهل يجهل أحد تأويل تلك الرؤيا كما قدﻣﻬﺎ صاﺣﺐ الرؤيا نفسه وذكرها الله تعالى في كتابه اﻟﻌﺰﻳــﺰ فقال: “وَخَرُّوا۟ لَهُۥ سُجَّدࣰاۖ وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّا ” (يوسف:100)
وﻳﺘﻀﺢ كذلك من الحديث الشرﻳﻒ أن بعض الرؤى التي كان يراها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت هي اﻷخرى تحتاج إلى اﻟﺘﺄويل، وأنها لم تكن ﺗُﺆﺧـــﺬ ﺑﻈﺎﻫﺮها وﺗُﻔـــﺴﺮ بحرﻓﻴﺘﻬـــﺎ، فقد ورد في صحيح اﻟﺒﺨــــﺎري؛ كتاب الرؤيا: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﺑﻴﻨﻤــــﺎ أنا ناﺋﻢ رأﻳــــﺖ في يدي سوارﻳﻦ من ذهب…”
نعم.. إنه من المعروف أن رؤيا الأنبياء حق، ولكن لم ﻳﻘـﻞ أحد ﺑﺘﺎتا أن كل رؤيا يجب أن تؤﺧـﺬ ﺑﻈﺎﻫﺮها، ﻓﻤــﻦ المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهــﻰ عن ﻟــﺒﺲ الذهب، ولم يقل أحد ﺑﺘﺎتا ﻃــﻮال حياة الرسول اﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم أنه ﻟﺒﺲ في يديه سوارﻳﻦ من ذهب، فهل معنى هذا أن الرؤيا لم تتحقق؟ كلا باﻟﻄﺒﻊ، ﻷن الرؤيا كانت تحتاج إلى اﻟﺘﺄويل، وقد أوّلها وﻓــــﺴﺮها صاﺣﺐ الرؤيا نفسه فقال: “فأوّﻟﺘﻬﺎ: كذابَين يخرجان من بعدي” وقد خرج من بعدﻩ صلى الله عليه وسلم؛ اﻷسود اﻟﻌﻨﺴﻲ، وﻣﺴﻴﻠﻤﺔ الكذاب وادّﻋﻰ كل ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻨﺒﻮّة.
ﻳﺘﻀﺢ من هذا أن القرآن الكريم والحديث الشرﻳﻒ يؤكدان على أن المنام الذي يراﻩ الأنبياء قد ﻻ يتحقق ﺑﻈــﺎﻫﺮﻩ، وإنما ﻳﺘﻄﻠّــﺐ اﻷمر تأويله وتفسيره، وقد اﺗﻔــﻖ على ذلك أيضا أراء علماء الأمة الإسلامية كما جاء في كتاب اليواﻗﻴــﺖ والجــﻮاﻫﺮ: “إﻧــﻚ ترى فيه (أي في المنام) واجب الوجود الذي ﻻ ﻳﻘﺒـــﻞ اﻟـــﺼﻮر في صورة، ويقول لك ﻣﻌـــّبر المنام: صحيح ما رأﻳـــﺖ ولكن تأوﻳﻠﻬـــﺎ كذا وكذا”…. (اليواﻗﻴﺖ والجواهر ج1 ص163)
وهذا يعني أنه من الممكن أن يرى اﻟناﺋﻢ اﷲ سبحانه وتعالى في صورة من اﻟــﺼﻮر، وهو الذي ﻻ ﻳﻘﺒــﻞ اﻟــﺼﻮر، ومع هذا يكون المنام صحيحا، ولكن ﻻ بد من تأويله وشرﺣﻪ. كذلك نجــﺪ في الكتاب المشهور في ﺗﻌﺒـير الرؤيا وهو كتاب: “ﺗﻌﻄـير اﻷنام في ﺗﻌﺒـير المنام” أنه من الجائز أن يرى الإنسان نفسه وﻛﺄنه قد صار الله تعالى. ﻓﻴﻘﻮل صاﺣﺐ الكتاب المذكور: “من رأى في المنام ﻛﺄنه صار الحق سبحانه وتعالى اﻫﺘــﺪى إلى اﻟــﺼﺮاط المستقيم” (ص9 – ﻃﺒﻌــﺔ ﻣﺼﺮ)
وهذا ﻳﻮﺿﺢ بكل ﺟﻼء أن المنام الذي رآﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ورأى فيه أنه قد صار الله تعالى،
ﻻ يعني سوى أنه قد اﻫﺘﺪى إلى اﻟﻄﺮﻳﻖ المستقيم، وهذا هو واقع اﻷمر الذي ذكرﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ، إذ جعله الله تعالى إماما ﻣﻬﺪيا ومسيحا موعودا تاﺑﻌﺎ ﻟﺴﻴﺪ الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأرﺳﻠﻪ ليهدي الناس إلى اﻟــﺼﺮاط المستقيم، وأمرﻩ أن يؤﺳــﺲ ﻧﻈﺎما إﺳــﻼﻣﻴﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴــﺎ وﻳُﻘــﻴﻢ جماعة إﺳــﻼﻣﻴﺔ ﺗﺘــﻮلى تغيير اﻟﻨﻈﺎم العالمي الحالي الذي ﻻ يقوم على اﻟـبر والتقوى، وإﻧـﺸﺎء ﻧﻈـﺎم ﻳـﺴير على نهـﺞ رسول الله وﻳﻬﺘﺪي بهديه وﻳﺴتن ﺑﺴُﻨّﺘﻪ. فاﻟﻨﻈﺎم السماوي الذي رآﻩ الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في الرؤيا هو اﻟﻨﻈـﺎم اﻹﺳﻼﻣﻲ الذي أقاﻣـﻪ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا، ولكنه ﻃﻤـﺲ وﺗﻐـير مع الزمن، وقد ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه ما ﺳـﻴﺤﺪث ﻟﻠﻨﻈـﺎم اﻹﺳـﻼﻣﻲ الذي أﻧـﺸﺄﻩ فقال: “يأتي على الناس زمان ﻻ يبقى من الإسلام إﻻّ اسمه وﻻ يبقى من القرآن إﻻّ رسمــﻪ”… (ﻣــﺸﻜﺎة المــﺼﺎﺑﻴﺢ؛ كتاب اﻟﻌﻠﻢ الفصل الثالث، وﻛﻨـﺰ اﻟﻌﻤﺎل، وبحار اﻷنوار؛ ج13 ص 152)

وﻳﺘـــﻀﺢ من الرؤيا التي رآها الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في مناﻣـــﻪ أن الله تعالى سوف ينصرﻩ ويؤيدﻩ ﺑﺘﺄﻳﻴــــﺪات سماوية وأرﺿــــﻴﺔ، إذ يقول: …”وألقي في قلبي أن هذا الخلق الذي رأيته إشارة إلى تأييدات سماوية وأرضية، وجعلِ الأسباب موافقة للمطلوب”… وقد قام في اﻟﺒﺪاية ﺑﺘﺄﺳــﻴﺲ هذا اﻟﻨﻈـﺎم السماوي ﺑــﺼﻮرة إجمالية، وقد تحقق هذا حين أصدر كتابه اﻟــﺸﻬير: “اﻟبراهين الأحمدية”، وأثبت فيه ﺗﻔـــﻮّق اﻟﻨﻈـــﺎم اﻹﺳـــﻼﻣﻲ على جميع اﻷديان واﻷﻧﻈﻤـــﺔ الأرضية. وقد اعترف علماء المسلمين وﻗﺘﺌﺬ بأنه لم ﻳُﻜﺘﺐ ﻣﺜﻴﻞ في الزمن الماﺿـﻲ لهذا الكتاب في إﺛﺒـﺎت ﺗﻔـﻮّق ﺗﻌـﺎليم الإسلام والقرآن. وكتب اﻟــﺸﻴﺦ محمد ﺣــﺴين اﻟﺒﻄــﺎلوي (الذي أﺻــﺒﺢ فيما بعد ألد أعداء اﻹمام المهدي) في ﺗﻌﻠﻴﻘﻪ: “….وﺣـــﺴﺐ رأﻳـــﻲ أن لهذا الكتاب (أي اﻟبراهين الأحمدية) – في اﻟﻌـــﺼﺮ الحاضر وفي الظروف الحالية- أﳘﻴــﺔ ﻛــبرى. ولم ﻳُﻨــﺸﺮ نظيرﻩ في الإسلام من قبل، وﻻ ﻧﻌــﺮف ماذا يحدث في المستقبل، وﻟﻌﻞ الله يُحدث بعد ذلك أﻣﺮًا” (المصدر: مجلة إشاعة السُنّة؛ رﻗﻢ 6 ص170-169)
وعن خلق السماوات واﻷرض ﺑــﺼﻮرة إجمالية- أي بعد نشر كتاب اﻟبراهين الأحمدية- يقول الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني عن المنام: “ﻓﺨَﻠﻘــﺖُ السماوات واﻷرض أوﻻ ﺑــﺼﻮرة إجمالية، ﻻ ﺗﻘــﺮﻳﻦ فيها وﻻ ترﺗﻴــﺐ، ثم فرﻗﺘﻬــﺎ ورﺗّﺒﺘﻬــﺎ بوﺿــﻊٍ هو مراد الحق، وكنت أجد ﻧﻔــﺴﻲ على خلقها كاﻟقادرﻳﻦ.” وهذا يعني أن الله تعالى قد أمرﻩ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ المذهب الأحمدي ﺑﺸﻜﻞ مرﺗـﺐ وﻣـﻨﻈﻢ، ووﻫﺒـﻪ ﻗﻮة روحانية عالية ﻷداء هذه المهمة. ثم يقول عن المنام: ” ثم خلقت السماء الدنيا وقلت: إنا زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح. ثم قلت: الآن نخلق الإنسان من سلالة من طين.” أي أنه رﺗّــﺐ شروط البيعة ﻷهل الدنيا ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إلى اﻟﻨﻈﺎم السماوي الجديد، وزﻳّﻨـﻪ باﻷدلة واﻟبراهين، ثم أعلن أنه من يريد أن ُيخلق من جديد من اﻟناحية الروحانية، ﻓﻌﻠﻴﻪ أن يأتي إليه ويدﺧﻞ في هذا اﻟﻨﻈـﺎم السماوي الجديد. وقد أﺳــﺲ المذهب الأحمدي ﺑﺘــﺎرﻳﺦ 20 رجب 1306ﻫـــ المواﻓــﻖ 23-3-1889م وبعد ﻣﺒﺎﻳﻌﺘــﻪ والتوبة الصادقة على يدﻩ بدأ الناس يُخلقون ﺧﻠقا جديدا من اﻟناحية الروحانية. وﻻ ﻳﻐﻴــبن عن البال أن نفس هذا اﻷسلوب قد ورد في القرآن الكريم وفي مواﺿــﻴﻊ عديدة، ﻧــﺬكر منها قوله تعالى: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ” (الأنفال: 24). وواضح أن اﻹحياء المشار إليه في هذه اﻵية الكريمة ليس هو اﻹحياء الظاﻫﺮي المادي، وإنما هو اﻹحياء الروحاني، وهذه ﻣﻬﻤﺔ كل نبي ورسول، إذ أن الله تعالى يبعثه لكي يحيي الموﺗﻰ ويردهم إلى الحياة الحقيقية؛ التي هي في معرفة الله وﻃﺎﻋﺘﻪ. وكذلك يقول سبحانه: “أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّا نَأۡتِی ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَا” (الرعد: 41). ﻓﻘﻮله تعالى: “نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَا” ﻻ ﻳُﺆﺧــﺬ بالمعنى الظاﻫﺮي، فالكرة الأرضية ﻻ ﺗــﻨﻘﺺ من أﻃﺮاﻓﻬﺎ، ولم ير أحد اﻷرض وهي ﺗـﻨﻘﺺ من أﻃﺮاﻓﻬـﺎ، ﺑﻴﻨﻤـﺎ تشير اﻵية إلى أن هذا اﻷمر واضح، وقد رآﻩ الكفار أﻧﻔــﺴﻬﻢ، ولذلك فقد ﻓــﺴﺮها العلماء والمفسرون على أن المقصود باﻷرض هنا، ليست هذه اﻷرض التي ﻧﺴﻜﻦ عليها، وإنما هي أرض اﻟﻜﻔـﺮ، وأنها ﺗـﻨﻘﺺ من أﻃﺮاﻓﻬـﺎ؛ بمعنى أن عدد الناس الذين ﻳـﺴﻜﻨﻮن أرض اﻟﻜﻔـﺮ ﻳﻘـﻞ باﻧﺘقالهم من اﻟﻜﻔـﺮ إلى اﻹيمان. كذلك فإن اﻷرض والسماء التي رأى الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في مناﻣــﻪ أنه يخلقهما ﻻ ﺗﻌﻨﻴــﺎن سوى أرض الدين وسماء اﻹيمان.
ثم قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني في المنام : ” … ثم ﻗﻠــﺖ: اﻵن نخلق الإنسان من ﺳــﻼلة من ﻃين.” وهذا الجزء من الرؤيا ﻳﺘﻄﻠّـﺐ التفسير أيضا، وﻟﻌﻠـﻪ قد صار من الواضح أن معنى تلك الكلمات هو أن الله تعالى سوف ﻳﻌﻄﻴــﻪ القوة الروحانية لخلق إنسان جديد، أي يعيد الموﺗﻰ إلى الحياة مرة أخرى من اﻟناحية الروحانية، وهذه هي ﻣﻬﻤـﺔ جميع الأنبياء كما أشرنا من قبل. ﻓﻜـﻞ إنسان ذي ﻓﻄﺮة ﺳﻌﻴﺪة ﻳﺘﻮب على يدﻩ ﺗﻮبة صادقة، ﻓﻜﺄنه ﺧُﻠِﻖ من جديد. وتدل كلمة “ﻃـين” على حقيقة التائب، ﻷنه ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻮب إﻻّ الإنسان المتواضع، فلا ُيخلق من جديد إﻻّ من كانت ﻓﻄﺮته (ﻃﺒﻴﻌﺘــﻪ) مثل اﻟﻄــين، أي أنها قاﺑﻠــﺔ ﻟﻠﺘــﺸﻜﻞ؛ فلا هي مثل الحجارة اﻟــﺼﻠﺒﺔ التي ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﺸﻜﻞ، وﻻ هي مثل النار التي ﻻ يمكن أن يكون لها ﺷﻜﻞ محـﺪد. وقد ورد في القرآن قول إﺑﻠﻴﺲ: “خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ” (الأعراف:12) وتدل هذه اﻵية الكريمة على أن ﻃﺒﻴﻌـــﺔ آدم كانت ﻃﻴﻨﻴـــﺔ ﺗﻘﺒـــﻞ اﻟﺘـــﺸﻜﻞ، وباﻟﺘـــﺎلي ﻓﻠﺪيه اﻻﺳـــﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻄﺎعة واﻟﺘـــﺄﻗﻠﻢ والتوﺟّـــﻪ ﺣﺴﺐ أوامر الله تعالى، وأﻣّﺎ إﺑﻠﻴﺲ فكاﻧﺖ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ نارية ﻻ ﺗﻘﺒـﻞ اﻟﺘـﺸﻜﻞ واﻻﻟﺘـﺰام ﺑـﺸﻜﻞ وقانون ﻣﻌين، وذلك ﻷن المتكبر الذي ﺗﺘﻮقد نار اﻟﻜـبر في نفسه ﻻ ﻳﺘـﻮب إلى الله، أﻣّـﺎ ذا الفطرة اﻟـﺴﻌﻴﺪة اﻟﻠﻴﻨﺔ المتواﺿﻌﺔ، فإنه ﻳﺘﻮب إلى الله، وﻳﻌﻮد إلى الحياة وﻛﺄنه ﺧُﻠﻖ ﺧﻠﻘًﺎ جديدا، وذلك مثل أبي بكر اﻟـــــﺼﺪّﻳﻖ، أو نور الدين القرشي؛ ﻷن فطرتهما كانت كاﻟﻄين، وﻷجل ذلك ﺗﻘـــــﺒّﻼ اﻟﻨﻈـــــﺎم السماوي بكل ﺳﻬﻮلة.
ومن المعروف أن اﻟﺘﻌﺒـــير باﻻﺻـــﻄﻼح “ﺧﻠﻘًـــﺎ جدﻳـــﺪًا” أو “وﻻدة جديدة” ﻳـــﺴﺘﻌﻤﻞ ﻟﻠﺪﻻلة على اﻟﺘﺤﻮل الروحاني إلى التوبة الصادقة. وعلى سبيل المثال ﻧﺴﻮق قول أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي قال:
“من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه.(رواه البخاري). وﻻ ﻳﻔﻬﻢ أحد ﺑﻄﺒﻴﻌـﺔ الحال هذا الحديث على معناﻩ الظاﻫﺮي الحرفي، وﻻ ﻳﺘﻮقع أحد أن ﻳﻌــﻮد الحــﺎج إلى حالة اﻟﻄﻔﻮلة يوم ولدته أﻣـــﻪ، ولكن معناﻩ أن الحـــﺎج إذا ﺣـــﺞّ ﺣﺠـــﺎ ﻣـــبرورًا وﻣﻘﺒـــﻮﻻ عند الله تعالى، ﻓﻴنال منه اﻟﻐﻔــــﺮان على كل ذنوبه، ﻓﻴﻌــــﻮد ﻛﺄنه قد وُﻟِــــﺪ وﻻدة جديدة. وهذا هو نفس اﻷمر باﻟﻨــــﺴﺒﺔ ﻻﺻــﻄﻼح “الخلق الجديد” الذي ورد في منام االإمام ميرزا غلام أحمد القادياني ، فإن الذي ﻳﺘــﻮب على يديه ينال حياة روحانية جديدة، ويغفر الله كل ذنوبه الساﺑﻘﺔ، ﻓﻜﺄنه قد وُﻟِﺪ وﻻدة جديدة.

إرسال التعليق